نقل الإمام محمد عبده وأتباعه الأفكار السائدة في أوروبا وطبقوها على مجتمعهم، فكان لذلك تأثير أقوى بكثير مما توقع هو نفسه. فقد أدت محاولة صياغة مبادئ المجتمع الإسلامي صياغة جديدة إلى فكرة مجتمع قومي علماني يكون الإسلام فيه مقبولًا ومحترمًا، لا بل مساعدًا على شد الروابط العاطفية بين المواطنين، دون أن يكون مصدرًا لقواعد الشريعة والسياسة. وقد نادى بفكرة مماثلة، في الوقت نفسه، فريق من الكتاب المسيحيين السوريين. ولما كان هؤلاء مسيحيين من الأقليات، فقد دفعوا بهذه الفكرة في اتجاه مختلف.
كان الشدياق والبستاني رائدي مدرسة من الكتاب الذين فتح نمو الصحافة الدورية العربية مجالًا جديدًا لمواهبهم. ففي السبعينيات من القرن التاسع عشر أخذ يظهر بالعربية نوعان جديدان من الصحف: الصحف السياسية المستقلة التي تنشر أخبار السياسات العالمية وتعبر عن الآراء السياسية؛ والمجلات التي كانت تتوخى غرضًا مزدوجًا، هو إطلاع الفكر العربي على أفكار أوروبا وأميركا واختراعاتها، وعلى كيفية التعبير عنها باللغة العربية. وكان العدد الأكبر من هذه المجلات، الصادرة في القاهرة أو بيروت، يحررها مسيحيون لبنانيون تثقفوا في المدارس الفرنسية أو الأميركية، فزودوا القراء، طيلة جيل بكامله، بمادة للمطالعة الشعبية تكاد تكون الوحيدة في اللغة العربية آنذاك، جاعلين للبنانيين تأثيرًا كبيرًا،