انطوى تفكير محمد عبده على توتر دائم بين أمرين، لا يمكن فهم أحدهما فهمًا تامًا بالاستناد إلى الآخر، لكن لكل منهما مطلب خاص به لا مفر منه: الإسلام الذي يذهب إلى أنه يعبر عن مشيئة الله في باب قواعد سلوك الإنسان في المجتمع، وحركة المدنية الحديثة التي لا مرد لها، المنطلقة من أوروبا، والآخذة الآن في الانتشار عالميًا، والتي تفرض على الإنسان بطبيعة مؤسساتها تصرفًا معينًا. وكان هدف محمد عبده أن يبرهن، بشرحه ما هو الإسلام الحقيقي، أن المطلبين غير متناقضين. وقد أراد أن يثبت ذلك لا مبدئيًا فحسب، بل عمليًا أيضًا، بتحليل دقيق لتعاليم الإسلام في الخلقية الاجتماعية. إلا أنه لم يعتقد يومًا أن بين الاثنين توافقًا مطلقًا، أي أن الإسلام يرضى عن كل ما يرضى عنه العالم الحديث، بل كان يعلم بوضوح لأي منهما الأولوية عند نشوء خلاف حقيقي بينهما. ذلك أنه رأى أن في الإسلام عناصر ثابتة غير قابلة للتحول، هي تلك الأوامر الخلقية والعقائدية التي لا مجال للمساومة عليها. فالإسلام لم يكن، عنده، مجرد ختم تمهر به أفعال العالم، مهما كانت، بطابع الشرعية، بل إنما هو دومًا عنصر رقابة وردع. بيد أن التوتر بين الإسلام والمدنية الحديثة كان بحد ذاته توترًا دقيقًا، وكان من الصعب، كما رأينا، تعيين الحدود بين طرفيه، فنشأت نزعة دائمة لتخفيف حدته بمحاولة شبه واعية للتوفيق بين وصايا الإسلام ومفاهيم الفكر الحديث.