في ١٨٦٠ كانت قد نشأت نخبة من الموظفين والضباط والأساتذة ممن أدركوا إدراكًا حادًا أهمية إصلاح الإمبراطورية واقتنعوا بأن هذا الإصلاح لن يتم إلا بتبني بعض صيغ المجتمع الأوروبي على الأقل. لم يكن بين هؤلاء، في إسطنبول آنذاك، سوى بعض العرب. بيد أن تأثير بيانات الإصلاح العظمى والقوانين التي نجمت عنها كان قد عم جميع أنحاء الإمبراطورية، كما أنه كان بين الموظفين العثمانيين من هذه المدرسة الفكرية نفر شغلوا مناصب في الولايات العربية وغيرها. ففي مصر، احتل بعض المناصب رجال على شيء من التربية الفرنسية، منهم إسماعيل باشا الذي تسنم العرش في ١٨٦١. وفي تونس، كان خير الدين، زعيم دعاة إصلاح الشباب، آخذًا في احتلال مكانة مرموقة في شؤون الدولة. أما طلاب مدارس الإرساليات المسيحية في لبنان وسوريا، فلم يكن بوسعهم، بعد، الاشتراك المباشر في حكم بلاد كانت لا تزال تعتبر دولة إسلامية. إلا أنه كان لهم بعض التأثير المباشر، كتراجمة في الحكومات المحلية والقنصليات الأجنبية، كما أنه قيض لهم، في ستينيات القرن التاسع عشر، أن يكتسبوا، بوصفهم أول صحفيي العالم العربي، قوة جديدة. كانت فكرة الإصلاح قد غرست جذورها بين جميع هذه الفئات التي تعرضت بشكل أو آخر لرياح التغير، فنمت هذه الفكرة وتجسدت، في الستينيات، في حركة فكرية انكبت، قبل كل شيء، على معالجة