للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الفصل الثاني

الإمبراطورية العثمانية

الدولة الإسلامية (١)، في نظر ابن خلدون، ككل الدول المستقرة الفاضلة، مزيج من «الملك والشريعة». وإن صح هذا في سلطنات زمانه، فهو يصح أيضًا في الإمبراطورية العثمانية التي كانت، بمعنى من المعاني، وريثة التطور الإسلامي السياسي بمجموعه، فقد كانت، قبل كل شيء، ملكية عائلية بولائها المقتصر على شخص، أو بالأحرى على مجموعة من الأشخاص، أي على أسرة. إن أحدًا لم يقل بعدم شرعية خلع السلطان حين يعتبره ويعلنه حراس الشريعة غير أهل للحكم، لكن الذين كانوا يحملون لواء العصيان لم ينكروا قط على آل عثمان، إلا في حالات شاذة نادرة، حقهم في الحكم. كانت دعامة هذا الحق فئة عسكرية تشد فيما بينها وتشحذ ولاءها عصبية طبيعية أو ما يعادلها. إلا أن كيان هذه الفئة قد تغير (كما لا بد لمثل هذه الفئات من أن تتغير وفقًا لنظرية ابن خلدون)، بعد أن استوت الأسرة الحاكمة ثابتة على عرشها. كانت في الأصل مؤلفة من أتراك أحرار المولد ومن مسلمين متحدرين من سلالات أخرى استتركوا. وكان هؤلاء، في البدء، خيالة السلاطين الأول وعلى يدهم تمت فتوحاهم. لكنهم، مع توسع الإمبراطورية، اتخذوا لأنفسهم مركز الطبقة المهيمنة، بعد أن منح السلطان زعماءهم حق استيفاء الخراج من أقاليم معينة والاحتفاظ به لقاء الخدمة العسكرية. وهكذا تحولوا من محاربين إلى ملاكين. لقد كان هناك، في البدء، وبقي مبدئيًا فيما بعد،

<<  <   >  >>