إلا أن هذه الحقبة تركت وراءها أثرًا. فقد ساعدت على خلق وعي سياسي جديد في تونس، وعلى إبراز فئة من رجال الدولة المصلحين والموظفين والكتاب الذين قدر لهم أن يلعبوا دورًا ضخمًا في مجابهة الصعوبات، حتى مجيء الاحتلال الفرنسي الذي بعثرهم في ١٨٨١ (٤١). وقد نهلت هذه الفئة من معينين: الأول، مسجد الزيتونة، مركز التعليم الإسلامي التقليدي حيث كان تأثير الأستاذ محمد عبده ملموسًا؛ والثاني، المدرسة الجديدة للعلوم العسكرية التي أنشأها أحمد باي بمديرها الطلياني وأساتذتها البريطانيين والفرنسيين والطليان، والتي كان الشيخ محمد عبده نفسه أستاذًا للغة العربية والعلوم الدينية فيها (٤٢).
كان لخريجي هاتين المدرستين مكانتهم: فكان لهم نفوذ في الجيش، كما كان لهم نفوذ كوزراء وكأساتذة رسميين. وكان خير الدين، المشرف الأول على المدرسة العسكرية، زعيمهم المطاع. وهو من أصل مملوكي بدأ حياته في خدمة الباي، ثم أصبح فيما بعد، وفي فترة دقيقة، رئيسًا للوزراء، ومؤلفًا لكتاب سنعود إليه فيما بعد.