لم يكن تأثير محمد عبده شاملًا، وإن كان أشد من تأثير أي مفكر مسلم في زمنه. غير أن هناك، على أيامه وبعدها، من كان يقول بأن التنازلات التي قام بها للفكر الحديث خطرة وغير ضرورية، وبأن إعادة النظر في العقيدة والشريعة، كما كان محمد عبده يرتأى، لم تكن أمرًا لا بد منه. لا بل كان هناك، حتى بين الذين تأثروا به وكان من حقهم الادعاء بأنهم من تلاميذه، من كانت عقليتهم على خلاف عقليته. كانت مؤلفاته تضبطها معرفته العميقة بالعلوم الإسلامية التقليدية، وما هو أهم من ذلك، شعوره الحاد بالمسؤولية تجاه الإسلام. إلا أنه كان من شأن الخطة التي اتبعها أن توقع في التجربة أولئك المفكرين من ذوي النزعة الجدلية الذين حرصوا على الدفاع عن سمعة الإسلام أكثر مما حرصوا على اكتشاف حقيقته وتوضيحها، أعني بها تجربة الادعاء بأن الإسلام هو كل ما يوافق عليه العالم الحديث، وبأنه ينطوي ضمنًا على كل ما يظن العالم الحديث أنه من اكتشافه. ومثال على هذا النوع من الكتابات الجدلية كتاب محمد فريد وجدي:«المدنية والإسلام». فمن عنوان الكتاب يظهر معناه: فالمؤلف وسائر الكتاب المنتمين إلى مدرسة محمد عبده اهتموا بأمرين خطيرين ومستقلين: الإسلام بحقائقه وشرائعه الموحى بها من الله، والمدنية بقوانينها المكتشفة بفضل علم الاجتماع. لكن ما العمل عندما يظهر تناقض بين الاثنين؟ وقد أجاب محمد عبده على هذا التناقض بقوله إن المدنية الحقيقية مطابقة للإسلام. أما في كتاب وجدي، فإننا نرى تغييرًا دقيقًا في اللهجة واختلافًا في نواحي التشديد يؤديان ضمنًا إلى القول بخلاف ذلك. أي أن الإسلام الحقيقي مطابق للمدنية. فوجدي يقر أوروبا على ادعائها بأنها اكتشفت قوانين التقدم والسعادة الاجتماعيين، لكنه يذهب إلى القول بأن هذه القوانين هي أيضًا قوانين الإسلام. لكن ما هو الإسلام؟ الإسلام، في نظره، هو، قبل كل شيء، وجود علاقة مباشرة بين الإنسان وخالقه، بمعزل عن توسط