للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تدريسًا صحيحًا هو، في نظره، على الدرجة ذاتها من الأهمية لقوة مصر وخيرها) (٢٢).

لقد تمكن طه حسين من وضع بعض هذه الأفكار على الأقل موضع التنفيذ. فكان له ضلع كبير، بوصفه مستشارًا لوزارة التربية من ١٩٤٢ إلى ١٩٤٤، في تأسيس جامعة الإسكندرية التي كان هو أول عميد لها. ولم يكن الغرض من تأسيس هذه الجامعة جعلها نسخة طبق الأصل عن جامعة القاهرة أو امتدادًا لها، بل كان الغرض من ذلك جعلها جامعة حقيقية، متحررة من ضغط الوزارة والجماهير، تحدد بنفسها أهدافها ومقاييسها، وتجتذب إليها أحسن الطلاب والأساتذة، وتكون منفتحة على البحر المتوسط ووريثة لتاريخ الإسكندرية برمته، ومركزًا للدراسة الإنسانية الكلاسيكية. وقد قام طه حسين، فيما بعد، بوصفه وزيرًا للتربية، بعملية واسعة النطاق لتوسيع المدارس الحكومية على جميع مستوياتها: فأنشأ جامعات ومعاهد عليا ومختلف أنواع المدارس الجديدة، وجعل التعليم الثانوي مجانًا، وعدل منهاج الدروس وفقًا للخطوط التي كان قد رسمها. وقد وجهت إلى مساعيه هذه انتقادات كثيرة، مستندة إلى أن من شأنها أن تحدث تغييرًا وتوسيعًا في النظام التربوي بسرعة لا تتناسب مع طاقته على النمو. وسواء كانت تلك الانتقادات مصيبة أو مخطئة، فإن مساعيه التربوية تدل، كما يدل كتابه نفسه، على مقدار حرصه على توفير الفرص المتساوية للجميع. وهذا، بالواقع، عنصر ثابت من عناصر تفكيره تجلى بصورة أوضح في مؤلفاته اللاحقة. ففي كتابه «المعذبون في الأرض» (١٩٤٩) مثلًا، يبسط الرأي القائل بالأمتين، الغنية والفقيرة، اللتين لا تربط بينهما عاطفة. فيعلن خيبة أمله من ذلك الاستقلال الذي كان قد أثار، لعشر سنوات خلت، آمالًا كبيرة، فيقول: إن هذا البلد الذي خلق الحرية لا يزال مستعبدًا (٢٣).

غير أن طه حسين لم ينتقد النظام الاجتماعي والاقتصادي إلا لمامًا.

<<  <   >  >>