الله، والمذعنة لأوامره ونواهيه، والمنفذة شرائعه على الأرض؛ وهو يعيش، خارجيًا، ضمن دولة دينها الإسلام، ومفروض فيها، لذلك، أن تجسد الدولة الإسلامية في سلطتها وحكمها ومؤسساتها وشرائعها. بينما هو يعيش، بالواقع، ضمن دولة كل ما فيها تقريبًا مستورد من مصدر غير إسلامي، قد يتلاءم مع الإسلام أو لا يتلاءم معه، لا بل قد يكون مخالفًا له في روحه وفي أسسه وفي أهدافه. فهل يستطيع هذا المسلم، وهو في شك على الأقل من «شرعية» هذه الدولة، أن يهبها ولاءه بلا تحفظ، فيضع مصلحتها فوق مصلحته، ويندفع في خدمتها بإخلاص وتفان، ويضحي في سبيلها بكل ما لديه؟ وإن هو فعل، أفلا يخامره الشك ويساوره الخوف من أن يكون فاعلًا ما قد لا يرضي الله، لا بل ما قد يستحق سخطه ويستدعي عقابه؟
قد يكون هذا التمزق الداخلي في وجدان المواطن سر الحالة المخيفة التي تتخبط فيها الشعوب العربية اليوم؛ وقد تكون القضية الأساسية الأولى المطروحة أمامها الآن إنما هي إعادة الصلة الروحية بين الحاكم والمحكوم، بين المواطن والدولة، بحيث يصبح بإمكان هذا المواطن، بلا تردد ولا تحفظ، لا بل باندفاع وغيرة وحماس، أن يطيع من يجب أن يطاع وأن يمنح الولاء لمن له الولاء.
كذلك قد يكون الاطلاع على المجهود العظيم الذي قام به في هذا السبيل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وغيرهم ممن انصرفوا إلى معالجة هذه القضية من داخل التيار الرئيسي للتقليد الإسلامي أو من خارجه حافزًا على استئناف هذه المحاولة الكبرى التي حاولها هؤلاء المسلمون العظام وعلى توسيعها وتعميقها والدفع بها إلى نتائجها المنطقية.