تَنْبِيهَانِ. الأول: يفهم من هَذَا أَن عدم الْإِعْذَار إِنَّمَا هُوَ إِذا نَص الشُّهُود على أَن الْإِقْرَار أَو الْإِنْكَار وَقع بِالْمَجْلِسِ، وَنَصّ القَاضِي أَيْضا أَن الْأَدَاء وَقع بذلك الْمجْلس فَيَقُول مثلا: أديا بِمَجْلِس الْإِقْرَار أَعْلَاهُ الخ. وَإِلَّا فَمن أَيْن لنا أَن كلاًّ من الْإِقْرَار وَالْأَدَاء وَقع بِالْمَجْلِسِ حَتَّى يسْقط الْإِعْذَار فِي ذَلِك عِنْد هَذَا الْحَاكِم أَو عِنْد من بعده وَالله أعلم. الثَّانِي: مَا اقْتصر عَلَيْهِ النَّاظِم من عدم الْإِعْذَار فِي شَاهِدي الْمجْلس صرح المتيطي بمشهوريته كَمَا مرّ، وَبِه قَالَ ابْن الْعَطَّار وَغَيره. وَقَالَ ابْن الفخار: لَا بُد من الْإِعْذَار فيهمَا لِأَن القَاضِي لَا يقْضِي بِعِلْمِهِ وَلَا بِمَا يقر بِهِ عِنْده دون بَيِّنَة وَلَا بِشَهَادَة غير العدلين وَهُوَ يعلم أَن مَا شَهدا بِهِ حق فَإِذا كَانَ هَكَذَا فَكيف يقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا من غير إعذار وَكَيف ينْكَشف عِنْد الْإِعْذَار أَنَّهُمَا غير عَدْلَيْنِ بِإِثْبَات عَدَاوَة أَو فسق؟ ابْن سهل: وَهَذَا عِنْدِي هُوَ الْقيَاس الصَّحِيح المطرد لمن قَالَ: إِن القَاضِي لَا يقْضِي بِعِلْمِهِ وَلَا بِمَا سمع فِي مجْلِس نظره، لَكِن الَّذِي قَالَه ابْن الْعَطَّار بِهِ جرى الْعَمَل وَهُوَ عِنْدِي الِاسْتِحْسَان ويعضده قَول مطرف وَابْن الْمَاجشون وَبِه أَخذ سَحْنُون أَنه يقْضِي بِمَا سمع فِي مجْلِس نظره اه. فقد علمت من هَذَا أَن سُقُوط الْإِعْذَار فِي مَسْأَلَة النَّاظِم لَا يتمشى إِلَّا على قَول سَحْنُون وَمن مَعَه دون الْمَشْهُور من قَول مَالك وَابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب: من أَن القَاضِي لَا يحكم بِمَا سَمعه كَمَا رَأَيْته فِي كَلَام ابْن سهل وَابْن الفخار. وَبَيَانه: أَنه إِذا أسقط الْإِعْذَار فيهمَا قَالَ الْخصم: إِنَّمَا أردْت أَن تحكم عَليّ بعلمك، وَزَعَمت أَنه شهد عَليّ شَاهِدَانِ ومنعتني من تسميتهما والإعذار فيهمَا فَمَا ذَاك إِلَّا لتتوصل إِلَى الحكم بعلمك بل بهواك، فَالْبَيِّنَة حِينَئِذٍ مُسْتَغْنى عَنْهَا لوجودها فِي الصُّورَة فَقَط وَلَو سَمَّاهَا وَأبْدى مطعناً لم يقبل مِنْهُ فَلم يبْق سَبَب لحكمه إِلَّا مُجَرّد علمه، وَقد تقدم قَوْله: وَعلمه بِصدق غير الْعدْل لَا الخ. فالجاري على مَذْهَب مَالك وَابْن الْقَاسِم أَنه لَا بُد من الْإِعْذَار كَمَا قَالَ ابْن الفخار. قَالَ ابْن مُحرز: وَهُوَ الظَّاهِر وَإِذا تَأَمَّلت مَا مرّ عِنْد قَوْله وَقَول سَحْنُون بِهِ الْيَوْم الْعَمَل الخ. علمت أَن الْوَاجِب فِي زَمَاننَا هَذَا هُوَ الْإِعْذَار وَأَن مَا قَالَه النَّاظِم وَغَيره يجب كتمه بِالنِّسْبَةِ لقضاة الزَّمَان إِذْ مَا شَاءَ حَاكم أَن يحكم بِرَأْيهِ إِلَّا زعم أَنه أقرّ عِنْده فِي مَجْلِسه، وَشهد على إِقْرَاره شَاهِدَانِ وَأَنه لَا يلْزمه الْإِعْذَار فيهمَا وَلَا تسميتهما لِأَنَّهُ لَو سَمَّاهَا وأتى بمطعن لَا يقبل، وَلَو صَحَّ مَا ذكر هُنَا لبطل قَوْله فِيمَا مر وَعلمه بِصدق الخ. ولصح قَوْله وَقَول سَحْنُون الخ لِأَن الْأَمر آل هُنَا إِلَى حكمه بِعِلْمِهِ كَمَا ترى وكما يَأْتِي عِنْد قَوْله: والفحص من تِلْقَاء قَاض قنعا فِيهِ بِوَاحِد فِي الْأَمريْنِ مَعًا وَلذَا كَانَ الْقُضَاة الْيَوْم يُعْطون النّسخ من أحكامهم وتأجيلاتهم وإعذاراتهم وَالله أعلم. (وَلَا) عاطفة كَالَّتِي قبلهَا أَي وَلَا يعْمل فِي (اللفيف فِي الْقسَامَة) يتَعَلَّق بقوله (اعْتمد) وَالْجُمْلَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute