(فصل فِي دَعْوَى السّرقَة)
وَهِي كَمَا فِي الشَّامِل أَخذ مَال أَو غَيره من حرز خُفْيَة لم يؤتمن فَقَوله أَو غَيره يُرِيد بِهِ الطِّفْل الصَّغِير الْحر الَّذِي لَا يعقل فَإِن آخذه يعد سَارِقا وَيقطع بِهِ وَلَيْسَ بِمَال، وَاحْترز بقوله: من حرز مِمَّا لَو أَخذه من غير حرز فَلَا يعد سَارِقا، والحرز هُوَ مَا لَا يعد الْوَاضِع فِيهِ مضيعاً فَلَا قطع فِي الْمَتْرُوك فِي السُّوق وَنَحْوه من الْأَمَاكِن الَّتِي لَا تعد صونا لِلْمَالِ عرفا لِأَنَّهُ فِي غير حرز وَبِقَوْلِهِ خُفْيَة، مِمَّا لَو أَخذه جهاراً فَإِنَّهُ لَا يُسمى سَارِقا بل مختطفاً أَو مُحَاربًا أَو غَاصبا وَبِقَوْلِهِ: لم يؤتمن عَلَيْهِ مِمَّا لَو أَخذ مَا فِي أَمَانَته فَإِن هَذَا خائن لَا سَارِق، وَلَا بُد أَن يكون المَال الْمَأْخُوذ نِصَابا لَا شُبْهَة لَهُ فِيهِ، وَيكون أَخذه بِقصد وَاحِد فَلَا قطع على من أَخذ أقل من نِصَاب، وَلَا على من لَهُ شُبْهَة فِيهِ كَالْأَبِ يَأْخُذ مَال وَلَده وَالْعَبْد يَأْخُذ مَال سَيّده والمضطر فِي المجاعة يَأْخُذ مَا يسد جوعته، وَلَا على من أَخذ نِصَابا فِي مَرَّات مَعَ تعدد قَصده، وَلَا بُد أَن يكون الْآخِذ مُكَلّفا، وَلذَا حَدهَا ابْن عَرَفَة بقوله: أَخذ مُكَلّف حرا لَا يعقل لصغره أَو مَالا مُحْتَرما لغيره نِصَابا أخرجه من حرزه بِقصد وَاحِد خُفْيَة لَا شُبْهَة فِيهِ قَالَ: فَيخرج أَخذ غير الْأَسير مَال حَرْبِيّ وَمَا اجْتمع بِتَعَدُّد إِخْرَاج وَقصد وَالْأَب مَال وَلَده والمضطر فِي المجاعة اه. فاحترز بالمكلف من الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ فَإِن مَا عَلَيْهِمَا ضَمَان المَال إِن تلف لَا الْقطع، وَبِقَوْلِهِ مُحْتَرما من أَخذ الْأَسير مَال حَرْبِيّ أَو سَرقَة خمر لمُسلم، لَكِن يرد عَلَيْهِ أَخذ غير الْأَسير مَال حَرْبِيّ فَإِنَّهُ لَا قطع فِيهِ، وَإِن أَمن عَلَيْهِ فَلَو حذف غير لَكَانَ أحسن، وَكَذَا يرد عَلَيْهِ خمر الذِّمِّيّ فَإِنَّهُ لَا قطع فِيهِ مَعَ أَنه مُحْتَرم بِالنِّسْبَةِ للذِّمِّيّ، وَلذَا كَانَ يجب عَلَيْهِ غرم قيمتهَا إِن تلف، وَكَذَا يرد عَلَيْهِ أَخذ مَا فِي أَمَانَته لِأَنَّهُ مُحْتَرم أَيْضا، لَكِن هَذَا رُبمَا يُقَال أخرجه بقوله من حرزه إِذْ الْأمين لَيْسَ الْمَكَان حرْزا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ مَأْذُون لَهُ فِي الدُّخُول إِلَيْهِ، وَبِقَوْلِهِ نِصَابا مِمَّا لَو سرق أقل من ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو من ربع دِينَار أَو من مقوم بهما، لَكِن يرد عَلَيْهِ من سرق ثوبا خلقا فَوجدَ فِيهِ ثَلَاثَة دَرَاهِم فَإِنَّهُ يقطع مَعَ كَونه إِنَّمَا قصد الثَّوْب الَّذِي لَا يُسَاوِي ثَلَاثَة دَرَاهِم، فَإِن أَرَادَ مَا وجد فِيهِ النّصاب فَيرد عَلَيْهِ مَا إِذا سرق خَشَبَة فَوجدَ فِيهَا ثَلَاثَة دَرَاهِم فَإِنَّهُ لَا يقطع وَيُمكن الْجَواب بِأَن المُرَاد نِصَاب مَوْجُود مَقْصُود فَيخرج بموجود الثَّوْب الْمَذْكُور وبمقصود الْخَشَبَة الْمَذْكُورَة، وَبِقَوْلِهِ بِقصد وَاحِد مِمَّا لَو أخرج النّصاب فِي مَرَّات لَا بِقصد وَاحِد، بل كَانَت نِيَّته الِاقْتِصَار على مَا أخرجه أَولا ثمَّ بدا لَهُ فَرجع وَأخرج مَا كمل بِهِ النّصاب فَإِنَّهُ لَا قطع عَلَيْهِ وَهُوَ مُصدق فِي ذَلِك لِأَنَّهُ لَا يعلم إِلَّا من قَوْله: فَإِن أخرج أَولا بعضه بنية أَن يرجع لما فِيهِ تَمام النّصاب فَأكْثر فَإِنَّهُ يقطع لِأَنَّهُ صدق عَلَيْهِ أَنه أخرجه بِقصد وَاحِد وَيدخل فِي كَلَامه من سرق نِصَابا، ثمَّ سَرقه آخر من السَّارِق فَإِنَّهُمَا يقْطَعَانِ مَعًا لِأَن المَال مُحْتَرم بِالنِّسْبَةِ للثَّانِي لِأَنَّهُ فِي ضَمَان الأول.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute