النّدب لِأَنَّهَا مَعْرُوف وإحسان وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ، وَقد يعرض وُجُوبهَا كغنى عَنْهَا لمن يخْشَى هَلَاكه بعدمها كإبرة لجائفة وَفضل طَعَام أَو شراب لمضطر إِلَيْهِ وحرمتها ككونها مُعينَة على مَعْصِيّة وكراهتها ككونها مُعينَة على مَكْرُوه. قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي سُورَة آل عمرَان: من الْغلُول منع الْكتب من أَهلهَا. قَالَ: وَكَذَا غَيرهَا والماعون الَّذِي توعد الله على مَنعه فِي قَوْله تَعَالَى: وَيمْنَعُونَ الماعون} (الماعون: ٧) الْآيَة. إِنَّمَا هُوَ الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة وَهُوَ الَّذِي ذهب إِلَيْهِ مَالك رَحمَه الله وَجُمْهُور أهل الْعلم. وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا؛ أَنه عَارِية مَتَاع الْبَيْت الَّذِي يتعاطاه النَّاس فِيمَا بَينهم. وَمَا اسْتُعِيرَ رَدُّهُ مُسْتَوْجَبُ وَمَا ضمانُ المُسْتَعِير يَجِبُ (وَمَا استعير) أَي شَيْء كَانَ (رده) لرَبه (مستوجب) أَي وَاجِب لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: (الْعَارِية مُؤَدَّاة) أَي يجب ردهَا وتأديتها لِرَبِّهَا بِحَيْثُ لَا يَتْرُكهَا الْمُسْتَعِير عِنْده بعد أَن قضى مِنْهَا وطره حَتَّى يَأْتِي رَبهَا إِلَيْهَا. وَفِي الحَدِيث الْكَرِيم إِشْعَار بِمَا اخْتَارَهُ ابْن رشد من أَن أُجْرَة ردهَا على الْمُسْتَعِير (خَ) : وَمؤنَة أَخذهَا على الْمُسْتَعِير كردها على الْأَظْهر، وَفِي علف الدَّابَّة قَولَانِ الخ. ومحلهما مَا لم يكن عرف وإلَاّ فيحملان عَلَيْهِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ كالشرط وَتَكون حِينَئِذٍ إِجَارَة، إِذْ يجوز كِرَاء الدَّابَّة بعلفها وَالْعرْف بفاس أَن علف الْعَارِية على الْمُسْتَعِير حَيْثُ باتت عِنْده فَإِن لم تثبت فعلى رَبهَا كَمَا تقدم (وَمَا) نَافِيَة (ضَمَان الْمُسْتَعِير يجب) أَي لَا يجب على الْمُسْتَعِير ضَمَان الْعَارِية إِن هَلَكت. إلَاّ بقابِلِ المَغيب لَم تَقُمْ بَيِّنةُ عَلَيهِ أَنَّه عُدِمْ (إِلَّا) بِأحد أَمريْن. أَحدهمَا: أَن تكون الْعَارِية وَقعت (بقابل) أَي فِي قَابل (المغيب) عَلَيْهِ فالباء بِمَعْنى (فِي) وَذَلِكَ كالثياب والسفينة السائرة والحلى وَسَائِر الْعرُوض، فَإِنَّهُ إِذا ادّعى تلف شَيْء من ذَلِك فَإِنَّهُ يضمنهُ لآخر رُؤْيَة رئي عِنْده حَيْثُ (لم تقم بَيِّنَة عَلَيْهِ) ب (أَنه) قد (عدم) وَتلف بِغَيْر سَببه، فمفهوم قَابل المغيب أَنه إِذا كَانَ لَا يقبل الْغَيْبَة عَلَيْهِ كالحيوان وَالْعَقار وسفينة بالمرسى لَا ضَمَان عَلَيْهِ إِن ادّعى تلفه وَهُوَ مُصدق فِيهِ مَا لم يظْهر كذبه كدعواه موت دَابَّة يَوْم كَذَا فَشَهِدت بَيِّنَة بِأَنَّهَا ريئت عِنْده بعد ذَلِك أَو دَعْوَاهُ مَوتهَا فِي رفْقَة أَو مدشر وَلم يعلم أحد مِنْهُم بموتها، وَمَفْهُوم لم تقم بَيِّنَة عَلَيْهِ أَنه إِذا شهِدت بَيِّنَة بِتَلف مَا يُغَاب عَلَيْهِ بِغَيْر تَفْرِيط لم يضمن لِأَن الضَّمَان إِنَّمَا هُوَ للتُّهمَةِ، وَقد انْتَفَت بِقِيَام الْبَيِّنَة فَإِن شهِدت، أَنه تلف بتعديه أَو تفريطه وَهُوَ الْأَمر الثَّانِي من الْأَمريْنِ فَهُوَ ضَامِن كَمَا قَالَ عاطفاً على قَابل المغيب أَي لَا ضَمَان إِلَّا فِي قَابل للمغيب.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute