بِطَلَبِهِ دينا حل فَمنع من تصرف مَالِي الخ. فَقَوله: فلس أَي حجر، وَالضَّمِير الْمَجْرُور بِالْمَصْدَرِ فِي قَوْله: بِطَلَبِهِ يعود على رب الدّين لَا على التَّفْلِيس كَمَا لشراحه أَي: بِطَلَب رب الدّين دينه الْحَال زَاد على مَاله أَو بَقِي مَا لَا يَفِي بالمؤجل وَطَلَبه هُوَ قِيَامه عَلَيْهِ بِهِ فيستتر الْمَدِين عَنهُ أَو يواعده للمحاسبة وَنَحْو ذَلِك، فيبيع أَو يَشْتَرِي فِي ذَلِك الْوَقْت فَإِن ذَلِك يرد لِأَنَّهُ بقيامه حكم الشَّرْع بحجره لَهُ، وَإِلَى الثَّالِثَة بقوله: وَلَو مكنهم الْغَرِيم فباعوا واقتسموا ثمَّ داين غَيرهم فَلَا دُخُول للأولين مَعَ الآخرين كتفليس الْحَاكِم الخ. وكل حَالَة من هَذِه الْأَحْوَال تمنع بِمَا تَمنعهُ الَّتِي قبلهَا وَلَا عكس. وَلما كَانَت الْحَالة الثَّانِيَة حجرا شَرْعِيًّا كالثالثة قسم ابْن عَرَفَة التَّفْلِيس إِلَى أَعم وأخص فَقَالَ فِي الْأَعَمّ: قيام ذِي دين على مدينه لَيْسَ لَهُ مَا يَفِي بِهِ مُوجبه أَي ثَمَرَته منع دُخُول إِقْرَار الْمَدِين على مُتَقَدم دينه، وَقَالَ فِي الْأَخَص: حكم الْحَاكِم بخلع كل مَال الْمَدِين لغرمائه لعَجزه عَن قَضَاء مَا لزمَه مُوجبه منع دُخُول دين سَابق عَلَيْهِ على لَاحق بمعاملة بعده اه. وَاعْترض بِأَن من شَأْن الْأَعَمّ صدقه على الْأَخَص، وَهُوَ هُنَا لَيْسَ كَذَلِك إِذْ الْأَعَمّ قيام الْغُرَمَاء. والأخص حكم الْحَاكِم وهما متباينان، وَتقدم مثل هَذَا الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ فِي الشّركَة حَيْثُ قسمهَا إِلَى أَعم وأخص، وَمَا أُجِيب بِهِ عَنهُ هُنَا من الأعمية بِاعْتِبَار الْأَحْكَام لَا بِاعْتِبَار الصدْق، وَلَا شكّ أَن الْأَخَص إِذا ثَبت منع من كل مَا مَنعه الْأَعَمّ وَزِيَادَة دون الْعَكْس فَغير ظَاهر لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَن يكون حكم الْحَاكِم هُوَ الْأَعَمّ، وَقيام الْغُرَمَاء هُوَ الْأَخَص، وَالْوَاقِع فِي كَلَام ابْن عَرَفَة خِلَافه، وَإِنَّمَا الْجَواب الْحق أَن يُقَال إِنَّه لَا مباينة بَين الرسمين لِأَنَّهُ اعْتبر فِي الْأَخَص قيدين. أَحدهمَا: حكم الْحَاكِم، وَثَانِيهمَا: قَوْله لغرمائه إِذْ اللَّام فِيهِ يتَعَيَّن أَن تكون بِمَعْنى (عِنْد) كَقَوْلِه تَعَالَى: أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} (الْإِسْرَاء: ٧٨) وَهُوَ على حذف مُضَاف دلّ عَلَيْهِ الْمَعْنى أَي: هُوَ حكم الْحَاكِم عِنْد قيام الْغُرَمَاء فَكَأَنَّهُ قَالَ هُوَ قيام الْغُرَمَاء مَعَ حكم الْحَاكِم وَلم يعْتَبر فِي الْأَعَمّ حكما وَالشَّيْء مهما ازْدَادَ قيدا ازْدَادَ خُصُوصا نَظِيره الْحَيَوَان مَعَ الْحَيَوَان النَّاطِق، فَالْأول أَعم من الثَّانِي قطعا لصدقه بالناطق وَبِغَيْرِهِ، وَكَذَا قيام الْغُرَمَاء فِي كَلَام ابْن عَرَفَة هُوَ مُقَيّد فِي الْأَخَص بالحكم، وَلم يُقيد بِهِ فِي الْأَعَمّ. فالأحكام المترتبة على الْأَعَمّ فِي كَلَام ابْن عَرَفَة تُوجد بِوُجُودِهِ وجد مَعَ ذَلِك الْأَعَمّ حكم حَاكم أم لَا. وَالْأَحْكَام المترتبة على الْأَخَص لَا تُوجد إِلَّا مَعَ حكم الْحَاكِم. لَا يُقَال: إِذا مكنهم الْغَرِيم فباعوا واقتسموا فقد وجد الحكم الْمُرَتّب على الْأَخَص وَهُوَ عدم دُخُول الْأَوَّلين مَعَ الآخرين مَعَ أَنه لَا حكم هُنَا لأَنا نقُول: تَمْكِينه من البيع وَالْقِسْمَة بِمَنْزِلَة حكم الْحَاكِم، إِذْ لَو رفع الْأَمر إِلَيْهِ لم يفعل غير ذَلِك، وَإِذا علمت صِحَة تَقْسِيم التَّفْلِيس بِمَعْنى التحجير إِلَى أَعم وأخص وَأَن كلا مِنْهُمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ حكم لم يَتَرَتَّب على الآخر سقط بحث مصطفى رَحمَه الله مَعَ ابْن عَرَفَة بِأَن ابْن رشد لم يعبر بالأعم والأخص، وَبِأَن حدّه للأخص غير مُطَابق لِابْنِ رشد لِأَن ابْن رشد لم يَجعله حكم الْحَاكِم بخلع كل مَاله بل جعله التَّمْكِين من البيع واقتسام المَال إِنَّمَا هُوَ الْمَانِع من دُخُول الْأَوَّلين الخ. وَوجه سُقُوط بَحثه أَن ابْن رشد جعل كلا من التَّمْكِين وَحكم الْحَاكِم مَانِعا من دُخُول الْأَوَّلين، لِأَنَّهُ قَالَ: إِذا مكنهم فباعوا واقتسموا فَذَلِك مَانع من دُخُول الْأَوَّلين كتفليس السُّلْطَان الخ. وتفليس السُّلْطَان هُوَ حكمه بخلع كل المَال الخ. وَإِذا صحت الأعمية والأخصية معنى صَحَّ التَّعْبِير بهما وَإِن لم يعبر بهما ابْن رشد وَلَا غَيره، وَالله أعلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute