فِي الْحَضَر وَالسّفر فِي التَّعْدِيل وَالصَّبْر على الْجُوع وَالْبرد فِي الْإِعْسَار وَنَحْو ذَلِك، وَهُوَ وَاضح إِن كَانَ الشَّاهِد بذلك من أهل الْعلم وإلَاّ فَلَا بُد من سُؤَاله عَن مُسْتَند علمه فَإِن تعذر سُؤَاله لمَوْته أَو غيبته سَقَطت. قَالَ أَبُو الْعَبَّاس الملوي: وَهُوَ الَّذِي جرت عَلَيْهِ الْفَتْوَى من فُقَهَاء الْعَصْر حَتَّى لَا يُسْتَطَاع صرفهم عَنهُ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ بِهِ اليزناسي كَمَا فِي أحباس المعيار أَنه الْمَذْهَب مُعْتَرضًا على ابْن سهل بِمَا يعلم بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ، وَانْظُر (ح) عِنْد نَص (خَ) الْمُتَقَدّم آنِفا، وَانْظُر مَا يَأْتِي عَن الوثائق الْمَجْمُوعَة وَغَيرهَا عِنْد قَوْله: وحيثما العقد لقاض ولى، الخ. وَفِي الْمَسْأَلَة خلاف شهير فرجح الصّباغ كَمَا فِي أنكحة المعيار أَن بَيَان مُسْتَند الْعلم إِنَّمَا هُوَ شَرط كَمَال فَقَط، وَهُوَ مُخْتَار ابْن سهل وَعَلِيهِ عول (خَ) فِي الشّركَة حَيْثُ قَالَ: وَلَو لم يشْهد بِالْإِقْرَارِ بهَا على الْأَصَح. قلت: وَعِنْدِي أَن هَذَا خلاف فِي حَال، فَابْن سهل وَمن مَعَه تكلم على مَا علم من عدُول وقتهم، وغالبهم عُلَمَاء عارفون وَغَيره تكلم على مَا غلب فِي بَلَده وَوَقته من الْجَهْل بِمَا تصح بِهِ الشَّهَادَة، وإلَاّ فَكيف يَقُول منصف بِقبُول شَهَادَة الْجَاهِل مُرْسلَة، وَلذَا اقْتصر ابْن فَرِحُونَ فِي فصل مَرَاتِب الشُّهُود على أَن غير الْعَالم بِمَا تصح بِهِ الشَّهَادَة لَا بُد من سُؤَاله عَن مُسْتَند علمه وَنَحْوه فِي الطرر والمعين والمتيطية، وَكَذَا فِي الوكالات وَبيع الْوَكِيل من ابْن سَلمُون وَنقل ابْن رحال فِي الارتفاق نَحوه عَن كثير، وَذكر الفشتالي وَابْن سَلمُون صدر وثائقهما أَن قَول الموثق مِمَّن يعرف الْإِيصَاء لَا يَكْفِي حَتَّى يَقُول بإشهاد من الْمُوصى عَلَيْهِ إِلَّا إِذا كَانَ من أهل الْعلم، وعَلى أهل الْعلم يحمل قَول ابْن سَلمُون فِي الشَّهَادَات إِذا قَالَ الشَّاهِد أشهدتني فُلَانَة، وَلم يقل أعرفهَا بِالْعينِ وَالِاسْم فَهِيَ شَهَادَة تَامَّة اه. وَفِي ابْن عَرَفَة أَن الشَّاهِد إِذا لم يذكر معرفَة وَلَا تعريفاً وَتعذر سُؤَاله سَقَطت شَهَادَته إِن لم يكن من أهل الْعلم، وَذكر فِي كتاب الْمَأْذُون من الْمُتَيْطِيَّة مَا نَصه: وَلَيْسَ لَهُم تلفيق الشَّهَادَة بِأَن يَقُولُوا نشْهد أَنه مَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة وَلَا يفسرون الْوَجْه الَّذِي علمُوا بِهِ ذَلِك أَي من أَنه أذن لَهُ سَيّده بمحضرهم أَو أقرّ بذلك لديهم قَالَ: وَمن التلفيق أَن يشْهدُوا أَن لفُلَان على فلَان كَذَا وَكَذَا دِينَارا وَلَا يبينون وَجه ذَلِك، بل لَا تقبل حَتَّى يَقُولُوا أسلفه لدينا أَو أقرّ بمحضرنا وَإِن كَانَ الدّين من بيع فسروا ذَلِك أَيْضا فَيَقُولُونَ: بَاعَ مِنْهُ بمحضرنا أَو أقرّ بذلك لدينا. قَالَ: وَإِنَّمَا لم تجز الشَّهَادَة إِلَّا مَعَ الْبَيَان لِأَن الشُّهُود أَكْثَرهم جهلة فقد يتوهمون أَنه وَجب من حَيْثُ لَا يجب اه بخ. وَنَقله الفشتالي فِي بَاب الْقَضَاء مُقْتَصرا عَلَيْهِ قَائِلا فَيجب بَيَان مُسْتَند الْعلم فِي جَمِيع الْأَشْيَاء من دين أَو غَيره لِأَن أَكثر الشُّهُود لَا يفهم مَا تصح بِهِ الشَّهَادَة اه. وَقَالَ اللَّخْمِيّ: إِن الْأَرْبَعَة إِذا شهدُوا بِالزِّنَا وغابوا أَو بَعضهم قبل أَن يسْأَلُوا عَن كَيْفيَّة الشَّهَادَة فَإِن الْحَد يُقَام إِن كَانَ الْغَائِب عَالما بِمَا يُوجب الْحَد وإلَاّ سقط، وَفِي الْبُرْزُليّ عَن الْمَازرِيّ إِن الشَّاهِد إِذا كَانَ من أهل الْعَدَالَة والمعرفة فَلَا يستفسر، ففهم مِنْهُ إِذا لم يكن كَذَلِك استفسر. قَالَ: وَلم يكن الْمُوثقُونَ يستفسرون إِلَّا فِي الْحُدُود وَالزِّنَا للحرص على السّتْر، فَأَنت ترى تَعْلِيلهم بِكَثْرَة الْجَهْر وَبِه يَتَّضِح لَك أَن قَول (خَ) وَلَو لم يشْهد بِالْإِقْرَارِ بهَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْعَالم، وَالله أعلم. تَنْبِيه: علم مِمَّا مرّ أَن الشَّاهِد إِذا شهد بِإِقْرَار شخص لَدَيْهِ بدين لغيره مثلا فالشهادة تَامَّة اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ قد بَين فِيهَا مُسْتَند علمه وَهُوَ الْإِقْرَار لَدَيْهِ، فَمَا فِي الْمعِين عَن بعض الْمُتَأَخِّرين حَسْبَمَا فِي التَّبْصِرَة والحطاب مُسلما من أَنه لَا يُؤَاخذ بِإِقْرَارِهِ حَتَّى يشْهدُوا بِإِقْرَارِهِ بالسلف أَو الْمُعَامَلَة وهم ظَاهر لِأَن الْخلاف كَمَا علمت فِي إرْسَال الشَّاهِد شَهَادَته لَا فِي إرْسَال الْمقر إِقْرَاره لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute