لِأَن النّكُول بِالنّكُولِ تَصْدِيق للْأولِ وَفِي الْجَمِيع فِي الأولى سَوَاء جزم بالإنكار أَو قَالَ: لَا يعرف حَقِيقَة مَا يَدعِيهِ لما مرّ إِن الدَّعْوَى بِالْمَجْهُولِ لَا تسمع فضلا عَن توجه الْيَمين بِسَبَبِهَا وَهُوَ إِذا قَالَ: لَا أعرف فقد ادّعى بِهِ، وَلما مرّ أَيْضا عِنْد قَوْله: وَمن أَبى إِقْرَارا أَو إنكاراً. الخ. من أَن الْمَطْلُوب إِذا قَالَ: لاأعرف حَقِيقَة مَا يَدعِيهِ وَحلف أَن الطَّالِب إِمَّا أَن يثبت دَعْوَاهُ أَو يبطل حَقه. هَذَا ظَاهر النّظم وَالْقَوَاعِد توافقه كَمَا علمت، وَالْفرق بَين القَوْل الأول وَالثَّانِي ظَاهر وَهُوَ أَن الشَّهَادَة فِي الأول كَالْعدمِ وَالْمَطْلُوب يُمكن من الْيَمين بِمُجَرَّد إِنْكَاره بِخِلَافِهِ على الثَّانِي، فَإِن للشَّهَادَة أثرا فِي أَن الْمَطْلُوب لَا يُمكن مِنْهَا بِمُجَرَّد الْإِنْكَار بل حَتَّى يعرف مَا عِنْد الطَّالِب، وَكَانَ النَّاظِم اعْتمد فِي هَذَا قَول مطرف الْمَنْقُول فِي الْبَاب الثَّالِث وَالْأَرْبَعِينَ من التَّبْصِرَة: لَو أقرّ الْمَطْلُوب بِالْحَقِّ كُله وَادّعى أَنه قد قَضَاهُ مِنْهُ شَيْئا وأتى بِشَاهِدين شَهدا أَنه أشهدنا أَنه اقْتضى مِنْهُ شَيْئا لم يسمه فشهادتهم جَائِزَة، وَقيل للْمَشْهُود عَلَيْهِ سم هَذَا الَّذِي ثَبت عَلَيْك أَنَّك تقاضيته فَمَا سمي من ذَلِك حلف عَلَيْهِ، وَكَانَ القَوْل لَهُ وَإِن أَبى أَن يقر بِشَيْء قيل للْمَشْهُود لَهُ: أتعرف هَذَا الَّذِي شهد لَك بِهِ فَإِن عرفه وَسَماهُ حلف عَلَيْهِ وبرىء مِنْهُ وَإِن تجاهل بِهِ أَو نكل عَن الْيَمين لزمَه غرم الْجَمِيع لِأَنَّهُ قد مكنه من حَقه بجهله أَو نُكُوله، وَرَأى أصبغ وَابْن الْمَاجشون أَن الشَّهَادَة سَاقِطَة. قَالَ ابْن حبيب، وَقَول مطرف: أحب إِلَيّ، وَبِه أَقُول اه. وَقَوله: وَإِن أَبى أَن يقرّ بِشَيْء يُرِيد أَو أقرّ، وَلم يحلف بِدَلِيل السوابق واللواحق، وَقَالَ فِي التَّبْصِرَة أَيْضا قبل هَذَا مَا نَصه: وَإِذا ادّعى رجل على آخر أَنه أودعهُ ثيابًا فَأنكرهُ فَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَة أَنه أودعهُ أعكاماً لَا يَدْرُونَ مَا فِيهَا ويظنون ثيابًا فَيجب أَن يسجن الْمُدعى عَلَيْهِ ويهدد، فَإِن أقرّ بذلك حلف عَلَيْهِ وَكَانَ القَوْل قَوْله، وَإِن تَمَادى على إِنْكَاره حلف صَاحب الْوَدِيعَة على مَا يشبه أَنه يملك مثله وَيَأْخُذهُ بذلك والظالم أَحَق أَن يحمل عَلَيْهِ، وَقد قيل إِنَّه يحلف إِذا لم تعين الْبَيِّنَة شَيْئا بعد أَن يستبرأ أمره بالتضييق والتهديد إِذا تَمَادى على إِنْكَاره وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وبالأول الْقَضَاء من الِاسْتِغْنَاء اه. وَالْغَرَض مِنْهُ قَوْله: وَبِه الْقَضَاء. وَقَوله: حلف صَاحب الْوَدِيعَة الخ. إِذْ مَفْهُومه أَن صَاحب الْوَدِيعَة إِذا لم يحلف بل قَالَ: لَا أعرف أَو أعرف، وَقَالَ: لَا أَحْلف لم يكن لَهُ شَيْء لِأَنَّهُ أناط الحكم بحلفه فَيكون مُوَافقا لقَوْل مطرف وكل ذَلِك شَاهد للناظم إِلَّا مَا فِي هَذَا الْأَخير من زِيَادَة التهديد والسجن عِنْد التَّمَادِي على الْإِنْكَار فَقَوله: (وَذَاكَ الأعرف) إِشَارَة إِلَى القَوْل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute