الطَّالِب إِن أَتَى بِمَا يشبه، وَأجَاب أَبُو إِبْرَاهِيم التجِيبِي بِسُقُوط الشَّهَادَة وَذكر أَنَّهَا رِوَايَة أصبغ عَن ابْن الْقَاسِم، وَكَذَا ذكر ابْن سَلمُون الْقَوْلَيْنِ، وَقَالَ: إِن القَوْل بالسقوط أحسن وَنسبه لصَاحب الِاسْتِغْنَاء وَنَحْوه فِي طرر ابْن عَاتٍ عَن الِاسْتِغْنَاء أَيْضا، وَعلله بِأَن البيع إِنَّمَا يكون بِثمن يرضاه البَائِع والمبتاع وَالْقيمَة تَعْدِيل من غَيرهمَا، وَقد تخرج عَن رضاهما جَمِيعًا أَو عَن رضَا أَحدهمَا الخ. وَقَوله: وَالْقيمَة تَعْدِيل الخ. وَهُوَ مَا مر عَن الْمُتَيْطِيَّة فِي قَوْله: سمي مَا يشبه أَي مَا يشبه أَن يكون قيمَة وَثمنا لَهَا عِنْد أهل الْمعرفَة، وبالقول الأول أفتى أَبُو الْفضل العقباني حَسْبَمَا فِي أَوَائِل معاوضات المعيار والمازونية قَائِلا: إِن البيع لَازم وَالْجهل بِالثّمن لَا يضران ادِّعَاء أحد الْمُتَعَاقدين أَي لِأَن القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة، وَإِنَّمَا يضر جهلهما مَعًا وَقد يكون الثّمن مَعْلُوما فِيمَا بَينهمَا وَلم يذكراه الْمَشْهُود. وَقَالَ أَبُو عبد الله الغوري حَسْبَمَا فِي نَوَازِل العلمي أَن الرَّاجِح صِحَة النِّكَاح الَّذِي لم يتَعَرَّض شُهُوده لمبلغ الصَدَاق وَيحكم فِيهِ بِالتَّسْمِيَةِ المشبهة إِن ادَّعَاهَا وَإِلَّا فَهُوَ نِكَاح تَفْوِيض اه. وعَلى قِيَاسه فِي البيع يُقَال يحكم بِالتَّسْمِيَةِ المشبهة إِن ادَّعَاهَا المُشْتَرِي وإلَاّ فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَيْهَا إِلَّا أَن دفع ثمن الْمثل كَمَا تقدم. كَمَا أَنه فِي نِكَاح التَّفْوِيض لَا يصل للزَّوْجَة إِلَّا إِن فرض لَهَا الْمثل، فَتبين بِهَذَا رُجْحَان القَوْل بِصِحَّة الشَّهَادَة لاقتصار غير وَاحِد من الفحول عَلَيْهِ، وَلم يذكرُوا لَهُ مُقَابلا وبنوا وثائقهم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَول الإِمَام وَمُقَابِله انْفَرد صَاحب الِاسْتِغْنَاء باستحسانه والتجيبي بالفتوى بِهِ فِيمَا وقفت عَلَيْهِ فتعبير بَعضهم عَنهُ بالمشهور فِي عهدته وَالله أعلم. وَبِالْجُمْلَةِ فماهية البيع من عَاقد ومعقود عَلَيْهِ وَصِيغَة مَوْجُودَة ثَابِتَة وَانْتِفَاء الْجَهْل فِي قدر الثّمن شَرط خَارج عَن الْمَاهِيّة فَيجْرِي حكمه على اخْتِلَافهمَا فِيهِ على حياله. فَإِن قلت: كَانَ الْقيَاس إِذا لم يسموا الثّمن وَالصَّدَاق أَن يتحالفا ويتفاسخا مَعَ قيام السّلْعَة سَوَاء سمى البَائِع ثمنا وَخَالفهُ الْمُبْتَاع فِيهِ أَو اسْتمرّ البَائِع على إِنْكَار العقد وَمَعَ الْفَوات بِصدق مُشْتَر ادّعى الْأَشْبَه كَمَا فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين فِي قدر الثّمن. قلت: التَّحَالُف والتفاسخ لَا يَتَأَتَّى مَعَ اسْتِمْرَار البَائِع على الْإِنْكَار لِأَن الْخلاف حِينَئِذٍ لَيْسَ فِي الْقدر بل فِي أصل العقد، وَلم يسم البَائِع ثمنا مُخَالفا لما ادَّعَاهُ المُشْتَرِي حَتَّى يرجعا للِاخْتِلَاف فِي الْقدر، بل لما ثَبت البيع عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ حمل على ثمن الْمثل لِأَنَّهُ الْغَالِب فِي بياعات النَّاس وَالْحمل على الْغَالِب وَاجِب، فَإِذا ادَّعَاهُ المُشْتَرِي أَو أَدَّاهُ اسْتحق الْمَبِيع وإلَاّ فَلَا. ومُنكِرٌ لِلِخِصْمِ مَا ادَّعاهُ أثْبَتَ بعْدُ أَنَّهُ قَضَاهُ (ومنكر) مُبْتَدأ سوغه تعلق (للخصم) بِهِ (مَا) أَي حَقًا مفعول بمنكر (ادَّعَاهُ) صفة أَو صلَة لما وضميره الْمُسْتَتر يعود على الْخصم والبارز على مَا كدعواه عَلَيْهِ بِعشْرَة من بيع أَو قرض مثلا فَأنْكر فَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَة بهَا ف (أثبت) هُوَ أَي الْمُنكر (بعد) أَي بعد قِيَامهَا عَلَيْهِ أَو بعد إِقْرَاره بهَا (أَنه) أَي الْمُنكر (قَضَاهُ) إِيَّاهَا وَأَن وَمَا بعْدهَا فِي تَأْوِيل مصدر مفعول أثبت وَجُمْلَة أثبت صفة لمنكر.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute