وَقد حكى الْبُرْزُليّ فِي النِّكَاح عَن ابْن علوان أحد مفتي تونس أَنه أَتَتْهُ امْرَأَة تزَوجهَا أندلسي وأساء عشرتها وعسر عَلَيْهَا التَّخَلُّص مِنْهُ فَقَالَ لَهَا: ادّعي عَلَيْهِ أَن دَاخل دبره برصاً فادعت ذَلِك عَلَيْهِ فَحكم عَلَيْهِ بِأَن ينظره الرِّجَال فِي ذَلِك الْمحل، فَلَمَّا رأى الزَّوْج ذَلِك طَلقهَا اه. قلت: وَبِهَذَا القَوْل جرى الْعَمَل قَالَ ناظمه: وَجَاز للنسوة لِلْفَرجِ النّظر من النِّسَاء إِن دَعَا لَهُ ضَرَر فَلَا مَفْهُوم للنسوة كَمَا مر وَمَا مر من أَن الْعَيْب إِذا كَانَ بِغَيْر الْفرج ينظر إِلَيْهِ الْأَطِبَّاء أَعنِي النِّسَاء للنِّسَاء وَالرِّجَال للرِّجَال، وَقيل: إِذا كَانَ الْعَيْب فِي الْمَرْأَة فَإِن الثَّوْب يشق عَنهُ حَتَّى ينظر إِلَيْهِ الْأَطِبَّاء. انْظُر الْمُفِيد. وَهَذَا فِي غير العذيطة وَأما هِيَ فقد نزلت فِي زمن أَحْمد بن نصر وَرمى كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه فَأمر أَن يطعم أَحدهمَا تيناً وَالْآخر فقوساً. فَإِذا ثَبت أَن الْعَيْب قبل العقد وَلم يبْق فِيهِ مقَال خير السَّالِم من الزَّوْجَيْنِ فَإِن اخْتَارَتْ الزَّوْجَة فراقها طَلقهَا الْحَاكِم عَلَيْهِ وَلَا يُفَوض ذَلِك إِلَيْهَا. (فِي) القَوْل (الْمُخْتَار) وَأما إِن حدث بعد العقد فَسَيَأْتِي، وَمُقَابل الْمُخْتَار أَن القَاضِي يُفَوض ذَلِك إِلَيْهَا، وَتقدم تَحْرِير ذَلِك فِي فصل الضَّرَر. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ الْبُرْزُليّ إِثْر مَا مر عَنهُ بأوراق: إِذا شهد رجلَانِ من الْأَطِبَّاء أَحدهمَا ذمِّي أَن بجسم الزَّوْج برصاً لَا يشكان فِيهِ فَالَّذِي فِي الْمُدَوَّنَة قبُول ذَلِك لِأَن ذَلِك علم مقتبس وَلَا يجْرِي مجْرى الشَّهَادَة، وَلَكِن لَيْسَ ذَلِك مُطلقًا إِذا قدر على تَحْصِيل مَا هُوَ أثلج للصدر، فَيَنْبَغِي أَن يُؤمر الْعُدُول باختبار هَذَا هَل فِيهِ رَائِحَة أم لَا؟ فَإِن قَالُوا لَا رَائِحَة امتحن مَوْضِعه بِرَأْس إبرة فَإِن تغير واحمر لَونه وَدمِي فَلَيْسَ برصاً وَلَا مقَال للزَّوْجَة وَلَا أعلم وَجها أوثق من هَذَا وَمَا فِي الزَّمَان طَبِيب انْظُر تَمَامه. الثَّانِي: قَالَ الْبُرْزُليّ، إِثْر مَا مر عَن ابْن علوان مَا نَصه: وَكَانَ يَعْنِي ابْن علوان كثير التحيل فِي بعض الْمسَائِل فَمن ذَلِك مَا حُكيَ عَنهُ أَن امْرَأَة وَصِيّ على أَوْلَادهَا من قبل أَبِيهِم فضيق عَلَيْهَا أَوْلِيَاء الزَّوْج وَأَقَامُوا عَلَيْهَا الْبَيِّنَة أَنَّهَا سَفِيهَة لَا تصلح للتقديم فَأَتَت إِلَيْهِ فَقَالَ لَهَا: إِذا قدموك غَدا للْقَاضِي فاعترفي لَهُم بذلك وَقَوْلِي لَهُم: إِنِّي أتلفته فِي أَيَّام السَّفه فَفعلت ذَلِك فسرحها القَاضِي لذَلِك. قَالَ الْبُرْزُليّ: وَهَذَا التحيل إِن كَانَ ثَبت عِنْده فِي هَذِه وَفِي الَّتِي قبلهَا أَنَّهَا مظلومة فَهُوَ سَائِغ من بَاب الإنفاذ من المظلمات وإلَاّ فَالصَّوَاب أَنه لَا يجوز لِأَنَّهُ من بَاب تلقين الْخُصُوم القادح فِي الْعَدَالَة قَالَ: وَهَذِه الطَّرِيقَة مَعْرُوفَة لأبي حنيفَة الإِمَام الْمَشْهُور، فَمن ذَلِك مَا حكى ابْن رشد عَنهُ أَنه حضر بيعَة لبَعض الْمُلُوك وَأَظنهُ أَبَا جَعْفَر فَقَالَ أَبُو حنيفَة لأَصْحَابه: أَنا لَا أُبَايِعهُ فاحضروه وَأَجْلسهُ الْأَمِير إِلَى جنبه، فَلَمَّا بَايعه النَّاس قَالَ هُوَ فِي بيعَته: أُبَايِعك حَتَّى تقوم السَّاعَة على قصد الْمُبَالغَة فِيمَا أَوْهَمهُ وَلما خلا بِهِ أَصْحَابه قَالُوا لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ: مَا بايعته وَإِنَّمَا أردْت بِقَوْلِي حَتَّى تقوم السَّاعَة لحَاجَة أَو غَيرهَا من ضرورياته فَانْظُر فِيهِ بَقِيَّة التحيلات المحكية عَنهُ. وَلما أجمل النَّاظِم رَحمَه الله فِي دَاء الْفرج أَشَارَ إِلَى تَفْصِيله بِالنِّسْبَةِ للزَّوْجَة فِيمَا يَأْتِي بقوله:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute