تَنْبِيهَات. الأول: إِذا قَالَ الْقَائِل: الْأَيْمَان لَازِمَة لَهُ أَو الْأَيْمَان تلْزمهُ فَلَا يخفى أَن أل للاستغراق وَإِلَّا كَانَت للْعهد الذهْنِي، وَحِينَئِذٍ فَإِن لم يكن عرف فِيهَا فَلَا عهد ذهنياً، وَيحمل اللَّفْظ على عُمُومه كَمَا لَو قَالَ: عَلَيْهِ جَمِيع الْأَيْمَان أَو عَلَيْهِ أَيْمَان الْمُسلمين أَو أَيْمَان الْبيعَة وَنَحْو ذَلِك، فَيلْزمهُ جَمِيع مَا اعْتَادَ النَّاس الْحلف بِهِ فِي ذَلِك كَمَا مرّ سَوَاء اعْتَادَ هُوَ خلافهم أَو لم يعْتد شَيْئا حَتَّى أَنه لَو كَانَت عَادَتهم الْحلف بِاللَّه فَقَط لزمَه ثَلَاث كَفَّارَات فَقَط لِأَنَّهُ مَدْلُوله لُغَة وَعرفا حِينَئِذٍ، وَلَا يُمكن أَن تَخْلُو بلد من الْحلف بِاللَّه تَعَالَى وَبِغَيْرِهِ حَتَّى يُقَال: إِنَّه إِذا لم يكن لَهُ نِيَّة وَلَا لأهل بَلَده عَادَة لم يلْزمه شَيْء كَمَا فِي الزّرْقَانِيّ، وَأما إِن كَانَ فِيهَا عرف خَاص بِحَيْثُ لَا يستعملها أهل الْبَلَد إِلَّا فِي خُصُوص الطَّلَاق الثَّلَاث أَو الْبَائِن أَو فِي الْعتْق مثلا فأل فِي ذَلِك للْعهد الذهْنِي، والمعهود مَا بِهِ الْعرف وَلَا ينظر حِينَئِذٍ لكل وَلَا لجَمِيع وَلَا لغَيْرِهِمَا من أَلْفَاظ الْعُمُوم وَلَا لصيغة الْجمع، لِأَنَّهُ وَإِن أَتَى الْحَالِف بِلَفْظ دَال على الْعُمُوم أَو بِصِيغَة الْجمع فَهُوَ مَخْصُوص بعرف بلد الْحَالِف فَلَا يلْزمه غير مَا بِهِ عرفهم وَصِيغَة الْجمع والعموم ملغاة، وَإِلَى هَذَا ترجع فَتَاوَى الْمُتَأَخِّرين الَّتِي فِي الشَّارِح وَغَيره، وَعَلِيهِ فاللازم فِيهَا فِي بلدنا الْيَوْم إِنَّمَا هُوَ الطَّلَاق لِأَن النَّاس الْيَوْم لَا يعْرفُونَ الْحلف بِالْعِتْقِ وَلَا بِالْمَشْيِ وَلَا بِالصَّدَقَةِ فَقَوْلهم: أَيْمَان الْمُسلمين أَو الْأَيْمَان اللَّازِمَة لَهُم كَقَوْلِهِم: عَلَيْهِم الطَّلَاق، وَالظَّاهِر كَمَا للمسناوي و (تت) أَن يحمل على الْوَاحِدَة البائنة لِأَن النَّاس الْيَوْم لَا يعْرفُونَ الطَّلَاق الرَّجْعِيّ. قلت: وَالظَّاهِر أَن يحمل الثَّلَاث لِأَن أَكثر النَّاس الْيَوْم الْحلف بِالطَّلَاق الثَّلَاث، وهم إِنَّمَا يقصدون بهَا التَّشْدِيد والتغليظ كحلفهم بالحرام آخر الثَّلَاث فَهِيَ مُسَاوِيَة لَهُ عِنْدهم على مَا شهدناه مِنْهُم، وعَلى تَسْلِيم حلفهم بالحرام مُجَردا من آخر الثَّلَاث، وَأَنه يكثر مِنْهُم الْحلف بِهِ مُجَردا ومقروناً بِالثلَاثِ، فَحَمله فِي اللَّازِمَة على الثَّلَاث أحوط عِنْد عدم النِّيَّة لِأَن الْفروج يحْتَاط لَهَا. الثَّانِي: درج أَبُو زيد الفاسي فِي عملياته على مَا للأبهري وَابْن عبد الْبر من أَنه لَا يلْزمه فِيهَا سوى الاسْتِغْفَار فَقَالَ: وَعدم اللُّزُوم فِي أَيْمَان لَازِمَة شاعت مذ أزمان فَظَاهره أَنه لَا يلْزمه شَيْء وَلَو كَفَّارَة يَمِين بِاللَّه، وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ على الِاحْتِمَال الأول فِي كَلَام النَّاظِم أَي حَيْثُ لَا نِيَّة وَلَا عرف، وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ مُقَابل للمشهور من حمله حِينَئِذٍ على مَدْلُول اللَّفْظ لُغَة، وإلَاّ فَهُوَ إِذا كَانَت لَهُ نِيَّة لزمَه مَا نَوَاه اتِّفَاقًا من طَلَاق أَو غَيره، وَإِن كَانَ لَهُم فِيهَا عرف لزمَه مَا هُوَ عرفهم فِيهَا لِأَنَّهُ كالنية كَمَا مر وَلَا يحل للمفتي أَن يفتيه حِينَئِذٍ بِعَدَمِ اللُّزُوم إِذْ ذَاك خُرُوج عَن أَقْوَال أَئِمَّة الْمَذْهَب وَمَا بِهِ الْعَمَل لَا بدّ أَن يُوَافق قولا وَإِن شاذاً. الثَّالِث: كثير من النَّاس فِي هَذِه الْأَزْمِنَة يَقُول عَلَيْهِ مَا يلْزمه لأَفْعَل كَذَا وَلَا يزِيد من الْأَيْمَان والجاري على مَا مر أَنه يلْزمه مَا نَوَاه أَو مَا بِهِ عرفهم، فَإِن لم تكن نِيَّة وَلَا لَهُم عرف فِي هَذَا اللَّفْظ، فَالظَّاهِر أَنه لَا يلْزمه شَيْء لِأَن الَّذِي يلْزمه من صَلَاة وَصِيَام وَزَكَاة وَنَحْوهَا هُوَ لَازم لَهُ بِدُونِ يَمِين، وَغير اللَّازِم لَهُ مِمَّا ذكر لَا دلَالَة للفظ عَلَيْهِ وقديماً كنت متأملاً فِيهِ، ثمَّ أجريته على قَول (خَ) : وكأحلف أَو أقسم إِن نوى بِاللَّه الخ. وَأَنه إِذا لم تكن لَهُ نِيَّة وَلَا عرف لَا شَيْء عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute