الْعَيْب والاستحقاق، وَأَنه إِن حصل أَحدهمَا غرم لَهُ الثّمن، وَيحْتَمل لِأَن يكون بِمَعْنى البيع على حد قَوْله تَعَالَى: وشروه بِثمن بخس} (يُوسُف: ٢٠) أَي باعوه، وَالْمعْنَى عَلَيْهِ أَن الْأَجْنَبِيّ يجوز البيع مِنْهُ حَيْثُ اشْترى لغيره حَالَة كَونه مُلْتَزم عُهْدَة الْعَيْب والاستحقاق فِيمَا يَشْتَرِيهِ لذَلِك الْغَيْر، وَأَنه إِن حصل عيب أَو اسْتِحْقَاق غرم لَهُ الثّمن أَيْضا، وَقد علمت مِنْهُ أَن مآل الِاحْتِمَالَيْنِ وَاحِد وَأَن الْأَجْنَبِيّ مُشْتَر على كل حَال، وَإِنَّمَا تغاير الاحتمالان عِنْده من جِهَة أَن الشِّرَاء فِي كَلَام النَّاظِم هَل هُوَ بِمَعْنَاهُ الْعرفِيّ فَيجوز للْأَجْنَبِيّ أَن يَشْتَرِي لغيره دَابَّة مثلا مُلْتَزما الْعهْدَة لَهُ، أَو بِمَعْنى البيع فَيجوز لشخص أَن يَبِيع من الْأَجْنَبِيّ دَابَّة يَشْتَرِيهَا لغيره مُلْتَزما الْعهْدَة لَهُ أَيْضا فجَاء الاحتمالان بِاعْتِبَار مُتَعَلق الْجَوَاز وَذَلِكَ باخْتلَاف معنى الشِّرَاء فِي النّظم، وَهَذَا قَلِيل الجدوى وَالصَّوَاب أَن يُقَال: أَن كلاًّ من الْمُتَعَاقدين بَائِع لما خرج من يَده مُشْتَر لما بيد غَيره كَمَا تقدم أول الْبَاب، فالأجنبي حِينَئِذٍ بَائِع مُشْتَر فَتَارَة يلْتَزم الْعهْدَة لمن اشْترى لَهُ وَتارَة يلتزمها لمن اشْترى مِنْهُ، فالأجنبي النَّائِب عَن غَيره إِذا اشْترى مثلا دَابَّة من عَمْرو لخَالِد بِثَوْب أَو دَرَاهِم فَهُوَ بَائِع للثوب أَو الدَّرَاهِم مُشْتَر للدابة، فَتَارَة يلْتَزم الْعهْدَة فِي الدَّابَّة للَّذي اشْترى لَهُ وَهُوَ خَالِد، وَتارَة يلْتَزم الْعهْدَة فِي الثَّوْب أَو الدَّرَاهِم للَّذي اشتراهما مِنْهُ وَهُوَ عَمْرو، وَسَوَاء حِينَئِذٍ حملنَا الشِّرَاء فِي النّظم على مَعْنَاهُ الْعرفِيّ أَو على البيع. وَلذَا بنى النَّاظِم يشترى للْمَفْعُول ليشْمل مَا إِذا الْتزم الْعهْدَة فِيمَا يَشْتَرِيهِ للْغَيْر أَو فِيمَا يَشْتَرِيهِ الْغَيْر مِنْهُ كَمَا ترى، وَسَوَاء الْتزم فِي هَذَا الثَّانِي الْعهْدَة ابْتِدَاء أَو انْتِهَاء كَمَا إِذا لم يعلم المُشْتَرِي مِنْهُ بِأَنَّهُ وَكيل فِي البيع عَن غَيره، ثمَّ أثبت أَنه وَكيل فَإِن المُشْتَرِي يُخَيّر فِي الرَّد أَو التماسك لِأَن من حجَّته أَن يَقُول: إِنَّمَا اشْتريت على أَن تكون عهدتي على مُتَوَلِّي البيع، وَلَا أرْضى أَن تكون على المنوب عَنهُ لعسره وَقلة ذَات يَده أَو لدده، فَإِذا رَضِي الْوَكِيل بِأَن تكون الْعهْدَة عَلَيْهِ سقط الْخِيَار وَلزِمَ البيع للْمُشْتَرِي، وَهَذَا هُوَ المُرَاد بالالتزام انْتِهَاء، وَإِنَّمَا قُلْنَا ثمَّ أثبت أَنه وَكيل الخ. احْتِرَازًا مِمَّا إِذا لم يثبت ذَلِك فَإِن الْعهْدَة لَا تَنْتفِي عَنهُ وَلَا يثبت الْخِيَار لِأَنَّهُ يتهم أَن يكون هُوَ الْمَالِك، وَلكنه نَدم فِي البيع فَادّعى أَنه نَائِب فِيهِ عَن غَيره، لَعَلَّ المُشْتَرِي لَا يرضاه وَيفْسخ البيع فَكَلَام النَّاظِم شَامِل لهَذَا كُله إِلَّا أَنه أطلق الْجَوَاز على حَقِيقَته وَذَلِكَ فِي الِالْتِزَام ابْتِدَاء وعَلى مجازه وَذَلِكَ فِي الِالْتِزَام انْتِهَاء لِأَن الْجَوَاز فِيهِ بِمَعْنى اللُّزُوم، وَالله أعلم. تَنْبِيه: الْتِزَام الْأَجْنَبِيّ للعهدة الْمَذْكُورَة هُوَ من ضَمَان دَرك الْعَيْب والاستحقاق أَي ضَمَان مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِمَا وَهُوَ جَائِز كَمَا تقدم أول بَاب الضَّمَان، وَالله تَعَالَى أعلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute