فِي مُخْتَصر الْمُتَيْطِيَّة، وَهُوَ قَول مَالك وَابْن الْقَاسِم وَعَلِيهِ الْأَكْثَر، وَمُقَابِله أَنه رهن لِأَنَّهُ سلف بِمَنْفَعَة فالغلة للْبَائِع لَا للْمُبْتَاع قَالَه الشَّيْخ أَحْمد زَرُّوق وَهُوَ الْمَشْهُور. قَالَ عبد الْبَاقِي: وَهُوَ ظَاهر من جِهَة الْمَعْنى وَهُوَ توافقه مَعَ المُشْتَرِي على أَن يرد لَهُ الْمَبِيع، وَعلل أَيْضا بِأَنَّهَا ثمن السّلف وَهُوَ حرَام محرم، وَفِي وثائق ابْن مغيث عَن الْقَابِسِيّ أَن حكمه قبل انْقِضَاء أجل الثنيا حكم البيع الصَّحِيح فالغلة فِيهِ للْبَائِع لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الرَّهْن وَهُوَ بعد انْقِضَاء الْأَجَل بِمَنْزِلَة الْبيُوع الْفَاسِدَة اه. أَي: فالغلة فِيهِ للْمُشْتَرِي وَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَيْت زِيَادَة على مَا أَفَادَهُ الشّطْر الَّذِي قبله إِلَّا مَا أَفَادَهُ من الْخلاف والتعميم فِي نفي الْغلَّة نصا وجريان الْعَمَل. تَنْبِيهَات. الأول: يجب أَن يُقيد الْخلاف الْمَذْكُور بِمَا إِذا لم يجر الْعرف بالرهنية كَمَا عندنَا الْيَوْم، وَلذَا يَقع البيع بِأَقَلّ من الثّمن الْمُعْتَاد بِكَثِير ويسمونه بيعا وإقالة فيبيع الرجل بالإقالة مَا يُسَاوِي الْألف بِخَمْسِمِائَة أَو مَا يُسَاوِي الْمِائَة بستين أَو بِثَلَاثِينَ وَنَحْو ذَلِك. فَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهَا رهن حَيْثُ اشْترطت الْإِقَالَة فِي العقد إِذْ لم يسمح البَائِع بسلعته إِلَّا على ذَلِك وتجد البَائِع إِذا سُئِلَ عَن سلْعَته أَو أرضه يَقُول: إِنَّهَا مَرْهُونَة وَيطْلب زِيَادَة الثّمن فِيهَا ويعرضها للْبيع وَهِي بيد مشتريها، وَإِذا سُئِلَ المُشْتَرِي عَنْهَا أَيْضا قَالَ: إِنَّهَا مَرْهُونَة عِنْدِي أَو عِنْدِي فِيهَا بيع وإقالة وَأَن البَائِع لم يكمل البيع فِيهَا وَنَحْو ذَلِك فَالْبيع وَالْإِقَالَة عِنْدهم مرادف للرَّهْن يعبر بِأَحَدِهِمَا عَن الآخر، فَعرف النَّاس الْيَوْم ومقصودهم فِي هَذَا البيع إِنَّمَا هُوَ الرهنية كَمَا هُوَ مشَاهد بالعيان، وَإِذا كَانَ الْعرف فِيهَا الرهنية فيتفق على رد الْغلَّة وَعدم الْفَوات لِأَن الْأَحْكَام تَدور مَعَ الْأَعْرَاف ومقاصد النَّاس وَمن أدل دَلِيل على الرهنية كَونه بِأَقَلّ من الثّمن الْمُعْتَاد بِكَثِير إِلَى غير ذَلِك وَقد قَالُوا كَمَا للقرافي وَغَيره: إِن حمل النَّاس على أعرافهم ومقاصدهم وَاجِب وَالْحكم عَلَيْهِم بِخِلَاف ذَلِك من الزيغ والجور، وَلِهَذَا لما سُئِلَ الإِمَام قَاضِي الْقُضَاة سَيِّدي عِيسَى السجسْتانِي حَسْبَمَا فِي نوازله عَن بيع الثنيا فِي هَذَا الزَّمَان هَل تفوت بأنواع التفويت لِأَنَّهَا بيع فَاسد، وَكَيف إِذا جهل قصد المفوت؟ فَقَالَ: الَّذِي أُفْتِي بِهِ فِي بياعات نواحي سوس وجبال درن أَنَّهَا رهون لأَنهم يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا على ملك بَائِعهَا وَيطْلبُونَ فِيهَا زِيَادَة الْأَثْمَان وَالْمَبِيع بيد مُشْتَرِيه، وَإِذا كَانَ هَكَذَا فَلَا يفوت بِشَيْء بل هِيَ على ملك الأول إِلَّا أَن يرضى بإمضاء البيع فِيهَا وَالسَّلَام اه. بِلَفْظِهِ. وَلَا يخفى أَنَّهَا فِي نواحي فاس وجبالها كَذَلِك وَلَا يشك منصف فِيهِ وَالله أعلم. وَفِي نَوَازِل الزياتي أَيْضا مَا نَص الْغَرَض مِنْهُ: سُئِلَ بعض الْفُقَهَاء عَن الْغلَّة فِي بيع الثنيا وَكَيف الحكم إِن كَانَ عرف الْبَلَد الرهنية إِلَّا أَنَّهُمَا تحيلا بكتب البيع مَخَافَة الْغلَّة؟ فَأجَاب: فِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ. قيل: الْغلَّة للْمُشْتَرِي، وَقيل: للْبَائِع. وَأما إِن كَانَ عرف الْبَلَد أَنهم يَعْتَقِدُونَ الثنيا فِي بُيُوتهم ويتحرفون بكتب البيع مَخَافَة الْغلَّة فَإِن الْغلَّة لَازِمَة للْمُشْتَرِي قولا وَاحِدًا مَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute