ديني وَلَكِن كنت أنْتَظر الْوَثِيقَة وَخفت إِن قُمْت عجزني القَاضِي، أَو قَالَ: لم أجد الْوَثِيقَة الَّتِي نقوم بهَا فَلذَلِك سكت حِين الْقسم، والآن وَجدتهَا لَكَانَ ذَلِك من الْعذر الَّذِي لَا يبطل بِهِ حَقه، وَهُوَ الَّذِي رَجحه الونشريسي فِي شرح ابْن الْحَاجِب، وَنَقله العلمي فِي الِاسْتِحْقَاق وَالْغَصْب من نوازله، وَرجحه أَيْضا الرهوني فِي حَاشِيَته فَمَا فِي (ح) عَن الْجُزُولِيّ وَالشَّيْخ يُوسُف بن عمر من أَن ذَلِك لَيْسَ بِعُذْر لَا يعول عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي ذَلِك إِن شَاءَ الله فِي فصل الْحَوْز. فَإِن قلت: قد قَالَ (خَ) فِي بَاب الصُّلْح: لَا إِن علم بَيِّنَة وَلم يشْهد الخ. والجاري عَلَيْهِ أَنه لَا يعْذر بقوله: إِنَّمَا لم أقِم لعدم وجودي للوثيقة أَو لكَون الشُّهُود غيباً لعدم إشهاده بذلك. قُلْنَا: قد يفرق بَينهمَا بِأَنَّهُ فِي الصُّلْح وجد مِنْهُ عقد فَلَا يصدق فِي ذَلِك مَعَ عدم الْإِشْهَاد، وَهَذَا إِنَّمَا وجد مِنْهُ سكُوت وَهُوَ لَيْسَ بِرِضا كَمَا اقْتصر عَلَيْهِ ابْن رشد، وَإِنَّمَا الْخلاف هَل هُوَ إِذن أم لَا؟ وَأظْهر الْقَوْلَيْنِ إِنَّه لَيْسَ بِإِذن إِلَّا فِيمَا علم بمستقر الْعَادة أَن أحدا لَا يسكت عَنهُ إِلَّا بِرِضا كَمَا فِي بيع الْفُضُولِيّ وهبته قَالَه ابْن رشد أَيْضا، وَنقل (ح) بعضه فِي بَاب الْإِقْرَار فالساكت أَضْعَف من الْعَاقِد للصلح وَالله أعلم. تَنْبِيهَانِ. الأول: قَالَ فِي نَوَازِل الِاسْتِحْقَاق من المعيار: سُئِلَ ابْن الفخار عَن إخْوَة ورثوا عَن أَبِيهِم أملاكاً فاعتمروها زَمَانا واقتسموها فِيمَا بَينهم، وَلَهُم أَخَوَات فِي بُيُوتهنَّ ساكنات مَعَهم فِي الْقرْيَة أَو فِي قَرْيَة بَائِنَة بِالْقربِ مِنْهُم، ثمَّ يقوم الْأَخَوَات على الْإِخْوَة بعد الْقِسْمَة ويحتج الْإِخْوَة عَلَيْهِنَّ بِالْقِسْمَةِ ويدعين الْجَهْل وأنهن لم يعلمن أَن الْقسم يقطع حقوقهن. فَأجَاب: بأنهن يحلفن على ذَلِك ويأخذن حقوقهن اه. قلت: هَذَا مُخَالف لما مر أول الْفَصْل من أَن السَّاكِت لَا يعْذر بجهله، وَأَن السُّكُوت يقطع حَقه، وَمَا لِابْنِ الفخار كَأَنَّهُ اعْتمد فِيهِ أَن من ادّعى الْجَهْل فِيمَا يجهله أَبنَاء جنسه صدق، وَنَحْوه لأبي الْحسن وَنَقله عَنهُ فِي وَصَايَا المعيار فِي بكر تَصَدَّقت بميراثها على إخوتها فَتزوّجت، واقتسم الْأُخوة ذَلِك وَبَاعُوا وَبعد عشر سِنِين قَامَت زاعمة أَنَّهَا إِنَّمَا سكتت لجهلها بِأَن الْبكر الْمُهْملَة لَا تلزمها صدقتها فَقَالَ: القَوْل قَوْلهَا لِأَن مَا ادَّعَت الْجَهْل فِيهِ مِمَّا يجهله الْعَوام غَالِبا وَلَا يعرفهُ إِلَّا أهل الْفِقْه، وقاعدتهم أَن من ادّعى الْجَهْل فِيمَا يجهله أَبنَاء جنسه غَالِبا فَالْقَوْل قَوْله فِي جَهله والنصوص فِي ذَلِك كَثِيرَة اه. وَمثله فِي الْبُرْزُليّ فِي مَوَاضِع من ديوانه، فَانْظُرْهُ بعد الْكَلَام على بعث الْحكمَيْنِ بأوراق، وَلَكِن لما نقل فِي المعيار مَا مر عَن أبي الْحسن قَالَ منكتاً عَلَيْهِ مَا نَصه، قَالَ ابْن رشد: الأَصْل فِي هَذَا أَن كل مَا يتَعَلَّق بِهِ حق الْغَيْر لَا يعْذر الْجَاهِل فِيهِ بجهله، وَمَا لَا يتَعَلَّق بِهِ حق الْغَيْر فَإِن كَانَ مِمَّا يَسعهُ ترك تعلمه عذر بجهله وَإِن كَانَ مِمَّا لَا يَسعهُ ترك تعلمه لم يعْذر بجهله، فَهَذِهِ جملَة كَافِيَة يرد إِلَيْهَا مَا شَذَّ عَنْهَا اه. قَالَ: فَتَأَمّله مَعَ ضَابِط الشَّيْخ يَعْنِي أَبَا الْحسن اه. وَقد أَشَارَ فِي الْمنْهَج إِلَى هَذِه الْقَاعِدَة وَصدر بِمَا لِابْنِ رشد فَانْظُرْهُ وَقد قَالَ الْمقري فِي قَوَاعِده: الْجَهْل بِالسَّبَبِ عذر كتمكين الْمُعتقَة جاهلة بِالْعِتْقِ وبالحكم قَولَانِ للمالكية كتمكينها جاهلة أَن لَهَا الْخِيَار، وَالصَّحِيح أَن الْفرق بَين مَا لَا يخفى غَالِبا كَالزِّنَا وَالسَّرِقَة وَمَا قد يخفى مثل تمكينها بِأَن لَهَا الْخِيَار اه. وَقد جرى على هَذَا التَّصْحِيح (خَ) فِي قَوْله فِي الْعُيُوب: وَخير مُشْتَر ظَنّه غَيرهمَا، وَبِالْجُمْلَةِ فالجهل بِالسَّبَبِ عذر اتِّفَاقًا، وَالْجهل بالحكم غير مُؤثر على الْمَشْهُور
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute