الْأَشْيَاء الْمُسْتَأْجرَة يصدق مكتريها فِي ضياعها وَلَا يصدق فِي دفع كرائها وزواله من ذمَّته إِلَّا بِبَيِّنَة، فَلَمَّا اجْتمعَا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أجْرى كل على أصل بَابه فيرفع عَنهُ الضَّمَان وإغرامه الْكِرَاء إِلَّا أَن يُقيم بَيِّنَة بِمَا يُوجب رفع الْكِرَاء عَنهُ، وَوجه قَول غَيره أَنه لما صدقه فِي الضّيَاع كَانَ ذَلِك كقيام الْبَيِّنَة عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَن يسْقط عَنهُ كِرَاء مَا زَاد على الْوَقْت الَّذِي ادّعى الضّيَاع فِيهِ وَهُوَ الصَّوَاب اه بِاخْتِصَار. وَقَوله: إِن الْأَشْيَاء الْمُسْتَأْجرَة الخ. يَشْمَل حَتَّى الدَّابَّة إِذا ادّعى ضياعها فِي أثْنَاء الْمسَافَة فَإِنَّهُ لَا يضمنهَا وَيلْزمهُ جَمِيع الْكِرَاء على الْمَشْهُور إِلَّا أَن يَأْتِي بِبَيِّنَة على وَقت الضّيَاع. ابْن سَلمُون: وَلَا ضَمَان على الْمُكْتَرِي فِيمَا يتْلف عِنْده من الحلى وَالثيَاب وَغير ذَلِك إِلَّا أَن يتَعَدَّى أَو يفرط، وَمن اكترى ثوبا يلْبسهُ فَسقط عَلَيْهِ شَيْء أفْسدهُ فَهُوَ ضَامِن، وَكَذَلِكَ إِن سقط من يَده على جليسه فَإِن ادّعى أَنه ضَاعَ أَو سرق فَالْقَوْل قَوْله بِيَمِينِهِ وَيغرم الْكِرَاء كَامِلا إِلَّا أَن تقوم بَيِّنَة أَنه ادّعى تلفهَا قبل مُدَّة الْكِرَاء ونشدها إِذْ ذَاك فَيغرم من الْكِرَاء بِقدر مَا انْتفع، وَكَذَلِكَ يصدق فِي رد ذَلِك إِلَى صَاحبه مَعَ يَمِينه إِلَّا أَن يكون قَبضه بإشهاد فَلَا يبرأ إِلَّا بِهِ، وَمن ادّعى فِي حلى ضَاعَ عِنْده أَنه اسْتَأْجرهُ وَقَالَ ربه: بل أعرته إياك فَإِن كَانَ رب الحلى مثله مِمَّن يكريه فَالْقَوْل للَّذي ضَاعَ عِنْده وإلَاّ فَالْقَوْل لرب الحلى أَنه أَعَارَهُ وَيلْزم الآخر ضَمَانه كَمَا قَالَ: قرض وَالْآخر قِرَاض اه بِاخْتِصَار. وَنَحْوه فِي نَوَازِل الْعَارِية من المعيار، وَانْظُر مَسْأَلَة من ضلت لَهُ دَابَّة من دَوَاب اكتراها فتبعها فَوجدَ الْأُخْرَى قد ضَاعَت فِي فصل كِرَاء الرَّوَاحِل الْآتِي. والمُكْتَرِي إنْ ماتَ لَمْ يحِنْ كِرَا واسْتُؤْنِفَ الكِراءُ كَيْفَ قُدِّرا (والمكتري) دَارا سنة أَو دَابَّة وجيبة بِعشْرَة مثلا (إِن مَاتَ) أَو فلس قبل أَن يسكن أَو سكن بعض الْمدَّة (لم يحن كرا) ء أَي لم يبلغ حِينه أَي لم يحل عَلَيْهِ بالفلس أَو الْمَوْت إِذْ لَا يحل عَلَيْهِ شَيْء لم يقبض عوضه الَّذِي هُوَ الْمَنْفَعَة، فَإِذا اكترى ذَلِك لسنة وَسكن سِتَّة أشهر ثمَّ مَاتَ أَو فلس فَإِنَّمَا يحل عَلَيْهِ كِرَاء الْأَشْهر السِّتَّة الْمَاضِيَة دون الْبَاقِيَة، وَإِذا مَاتَ أَو فلس قبل السُّكْنَى لم يحل عَلَيْهِ شَيْء ابْن رشد: هَذَا أصل ابْن الْقَاسِم لِأَنَّهُ لَا يرى قبض أَوَائِل الْمَنَافِع قبضا لأواخرها، وعَلى هَذَا فَإِذا كَانَ على الْمُكْتَرِي دُيُون فَإِن رب الدَّار إِنَّمَا يحاصص بكرَاء مَا سكن الْمُكْتَرِي فَقَط، وَيَأْخُذ دَاره فِي الْفلس ويتنزل الْوَرَثَة مَنْزِلَته فِي الْمَوْت لِأَن من مَاتَ عَن حق فلوارثه، فَإِذا أَرَادوا أَن يلتزموا الْكِرَاء فِي أَمْوَالهم فَلهم ذَلِك إِلَّا أَن يَقُول رب الدَّار: لَا أرْضى بذممهم فَيكون لَهُ الْفَسْخ، وَإِن لم يلتزموا الْكِرَاء فِي أَمْوَالهم فَالْحكم أَن تكرى الدَّار لما بَقِي من الْمدَّة المضروبة مَعَ الْمَيِّت فَإِن نقص عَن الْعشْرَة الَّتِي وَقع الْكِرَاء بهَا للْمَيت وقف من التَّرِكَة قدر النُّقْصَان كَمَا قَالَ: (واستؤنف الْكِرَاء) للدَّار فِي الْمدَّة أَو مَا بَقِي مِنْهَا (كَيفَ قدرا) أَي بِمَا أمكن من قَلِيل أَو كثير.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute