لمنافع نَفسه وغاصب الْمَنَافِع يضمنهَا سَوَاء اسْتعْمل أَو عطل كَمَا فِي (خَ) وَغَيره. وَإِذا كَانَ غَاصبا للمنافع الَّتِي بَاعهَا فَيجب عَلَيْهِ ضَمَان قيمتهَا بِمَنْزِلَة من بَاعَ سلْعَة فأتلفها، وَقد قَالَ (خَ) : وَإِتْلَاف المُشْتَرِي قبض وَالْبَائِع وَالْأَجْنَبِيّ يُوجب الْغرم، وَقد تقدم قَرِيبا أَنه يجْرِي فِي الْإِجَارَة مَا جرى فِي البيع، وَإِذا تقرر هَذَا فَمَا فِي السماع. وَحكى عَلَيْهِ ابْن رشد الِاتِّفَاق وشهره فِي المازونية مَبْنِيّ على أَن الْأَجِير لما كَانَ معينا تستوفى مِنْهُ الْمَنَافِع انْفَسَخت الْإِجَارَة بتروغه لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة تلفه، وَهَذَا إِنَّمَا يتم لَو كَانَ التّلف بِغَيْر اخْتِيَاره، وَأما حَيْثُ كَانَ بِاخْتِيَارِهِ فَالْوَاجِب هُوَ تَضْمِينه قيمَة الْمَنَافِع الَّتِي تلفهَا فيحاسبه الْمُسْتَأْجر لَهُ بِقِيمَتِهَا فَإِذا اسْتَأْجر سنة مثلا بِاثْنَيْ عشر درهما ورعى أَو خدم ثَلَاثَة أشهر مِنْهَا وتروغ فِي الْبَاقِي، فَإِذا كَانَت قيمَة هَذَا الَّذِي تروغ فِيهِ سِتَّة دَرَاهِم قاصه بِثَلَاثَة مِنْهَا فِي الثَّلَاثَة الْوَاجِبَة لَهُ أَي: وَغرم الرَّاعِي لَهُ ثَلَاثَة، وَإِذا رعى تِسْعَة وتروغ فِي ثَلَاثَة وَقيمتهَا ثَلَاثَة أَو سِتَّة لشدَّة بردهَا أَو حرهَا فِي السّنة، فَإِن الْمُسْتَأْجر يغرم لَهُ فِي الأولى تِسْعَة وَفِي الثَّانِيَة يغرم لَهُ الرَّاعِي ثَلَاثَة، وَهَكَذَا هَذَا هُوَ الْحق وَعَلِيهِ فَقَوْلهم لَا شَيْء لَهُ لَيْسَ على إِطْلَاقه، بل إِنَّمَا ذَلِك فِي بعض الصُّور كَمَا ترى، وَإِنَّمَا تركُوا التَّفْصِيل الْمَذْكُور اتكالاً على وضوح الْمَعْنى، وعَلى هَذَا فلأرباب الْغنم وآباء الصّبيان أَن يضمناه قيمَة الْمَنَافِع الْبَاقِيَة ويؤاجرا من يرْعَى أَو يعلم الصَّبِي عَلَيْهِمَا بَقِيَّة الأمد، فَإِن قدرا عَلَيْهِ يَوْمًا مَا أخذا مِنْهُ ذَلِك إِن زَاد على مَا وَجب لَهُ فِيمَا رعى، وَإِن نقص عَنْهَا كَانَ لَهُ الْبَاقِي. هَذَا هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيه الْأُصُول، وقديماً كنت أُفْتِي بِمثل هَذَا، وَيُؤَيِّدهُ مَا وقفت عَلَيْهِ لبَعْضهِم ناسباً لَهُ لنوازل ابْن سَحْنُون بعد أَن قرر الْخلاف هَل لَهُ شَيْء أم لَا؟ قَالَ، قَالَ مُحَمَّد، وَأَنا أَقُول: إِن وَقعت الْإِجَارَة بَينهمَا فَاسِدَة فَلهُ أجر مثله فِيمَا رعى، وَإِن كَانَت صَحِيحَة اُسْتُؤْجِرَ على رعايته سنة مُعينَة وَلَيْسَ لَهُ شَيْء إِلَّا بِتمَام عمل السّنة يَعْنِي لَيْسَ لَهُ إِلَّا مَا فضل عَن تَمام السّنة إِن فضل لَهُ شَيْء كَمَا مر. نعم إِذا لم يضمناه قيمَة عمل الَّذِي أتْلفه وَلم يؤاجرا عَلَيْهِ من يكمل لَهُ عمله، وَجَاء بعد انْقِضَاء الْمدَّة يطْلب مَا وَجب لَهُ، فَإِن لَهُ بِحِسَابِهِ، وَعَلِيهِ فيقيد النّظم بِمَا إِذا عاقه العائق حَتَّى انْقَضتْ الْمدَّة أَو تَرَاضيا على الْفَسْخ أَو لم يعقه شَيْء وَلَا تَرَاضيا وَلم يضمناه وَلَا واجرا عَلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ يكون لَهُ بِحِسَاب مَا عمل، وَقد كثر السُّؤَال عَن هَذِه الْمَسْأَلَة ويفتي فِيهَا من لَا تَأمل مَعَه بِمَا فِي النّظم من أَن لَهُ بِقدر مَا عمل مُطلقًا، وَذَلِكَ غير سديد. وتعليلهم بِأَن لَهُ ترك مَا كَانَ يجب لَهُ فِي ماضي الْمدَّة بترك تَمام مَا عومل عَلَيْهِ فِي بقيتها كَالصَّرِيحِ فِي أَن مَا اسْتَحَقَّه لماضي الْمدَّة يُؤَاجر عَلَيْهِ بِهِ فِي بقيتها، وَالْغَالِب أَن مَا اسْتَحَقَّه فِي الْمَاضِي لَا يَفِي بِمَا أتْلفه من عمله إِن خرج بعد رعايته من السّنة نَحْو الشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَة، فَإِن وفى بِهِ وَزَاد كَانَت لَهُ الزِّيَادَة لِأَنَّهُ قد يخرج وَيبقى لتَمام السّنة نَحْو الشَّهْر أَو الشَّهْرَيْنِ، وَإِن نقص كَانَ عَلَيْهِ النُّقْصَان فهم إِنَّمَا أطْلقُوا اتكالاً على وضوح الْمَعْنى، وَلِهَذَا قَالَ (ت) : يَنْبَغِي اعْتِمَاد قَول من قَالَ لَا شَيْء لَهُ، وَحقه أَن يَقُول يجب اعْتِمَاده إِذْ مَا فِي السماع ضَعِيف الْمدْرك كَمَا ترى وَالله أعلم. وَهَذَا كُله فِي الْأَجِير الْبَالِغ الرشيد، وَأما غَيره فَلهُ بِحِسَاب مَا عمل حَيْثُ تروغ وأتى بعد انْقِضَاء الْمدَّة لِأَن غير الْبَالِغ وَغير الرشيد لَا يضمنَانِ مَا أتلفاه من منافعهما لِأَنَّهُمَا مأمونان عَلَيْهِمَا. وَقد قَالَ (خَ) : وَضمن مَا أفْسدهُ إِن لم يُؤمن عَلَيْهِ فَإِن لم يتروغ وَكَانَ حَاضرا وَهُوَ رشيد فَإِنَّهُ يضْرب ويسجن وَيُؤْخَذ مِنْهُ كَفِيل بذلك حَتَّى يفعل كَمَا مر، فَإِن تروغ وَجَاء قبل انْقِضَاء الْمدَّة أَو صَحَّ من مَرضه أَو زَالَ عذره قبل انْقِضَائِهَا أَيْضا، فَإِنَّهُ يجْبر على
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute