ومتى اتخذ القبر مسجدًا، شُهر باسم المسجد لا باسم القبر، فكأنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لما نهى عن شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة دخل في عمومها ما كان على هذه الصفة، ويؤيده احتجاج الإِمام مالك بهذا الحديث على عدم وفاء الناذر لزيارة القبر النبوي بنذره، ويؤيده كذلك عموم استدلال من تقدَّم ذكرهم من أهل العلم بهذا الحديث على المنع من شد الرحال إلى قبور الأنبياء والأولياء وما في معناها.
بل يدخل في عمومها كلّ بقعة يُعتقد فيها الفضل، ويأتيها النّاس تقربًا، ويؤيد ذلك معنى كلمة "مسجد".
فقد ذكر ابن منظور في "لسان العرب"(٣/ ١٩٤٠) عن الزجاج: أن كلّ موضع يُتعبد فيه فهو مسجد، وأطلقه بعضهم على البيت.
فيدخل في عمومه القبور التي هي بيوت الموتى.
وإتيان بقعة من البقاع، أو موضعًا من المواضع مقتضاه اعتقاد فضله وخصوصيته، وهو نوع من العبادة، ومن ثمَّ فالقبور تندرج تحت هذا النهي أيضًا، وهو ما أيده فهم بصرة بن أبي بصرة الغفاري أحد الصحابة، وسوف يأتي النقل عنه قريبًا.