قال اللَّه تعالى ذكره: وإذا ما أنزلت سورة من القرآن فيها عيب هؤلاء المنافقين الذين وصف جل ثناءه صفتهم فى هذه الصورة، وهم عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، نظر بعضهم الى بعض، فتناظروا: هل يراكم من أحد إن تكلمتم أو تناجيتم بمعايب القوم يخبرهم به، ثم قاموا فانصرفوا من عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم يستمعوا قراءة السورة التى فيها معايبهم، ثم ابتدأ جل ثناءه قوله {صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} فقال: صرف اللَّه عن الخير،
= ثم قال ابن جرير: وأولى الأقوال فى ذلك بالصحة: أن يقال: إن اللَّه عجب عباده المؤمنين من هؤلاء المنافقين، ووبخ المنافقين فى أنفسهم بقلة تذكرهم وسوء تنبههم لمواعظ اللَّه تعالى يعظهم بها، وجائز أن تكون تلك المواعظ الشدائد التى ينزلها بهم من الجوع والقحط، وجائز أن يكون ما يريهم من نصرة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- على أهل الكفر به، ويرزقه من إظهار كلمته على كلمتهم، وجائز أن يكون ما يظهر للمسلمين من نفاقهم، وخبث سرائرهم بركونهم الى ما يسمعون من أراجيف المشركين برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأصحابه ولا خبر يوجب صحة بعض ذلك دون بعض، من الوجه الذى يجب التسليم له، ولا قول فى ذلك أولى بالصواب من التسليم لظاهر قول اللَّه تعالى، وهو: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} بما يكون زاجرا لهم، ثم لا ينزجرون ولا يتعظون.