في الدنيا فأعظم فساد الدنيا قتل النفوس بغير الحق، ولهذا كان أكبر الكبائر بعد أعظم فساد الدين الذي هو الكفر. وأما فساد الدين فنوعان نوع يتعلق بالعمل، ونوع يتعلق بمحل العمل. فأما المتعلق بالعمل فهو ابتغاء سنة الجاهلية، وأما المتعلق بمحل العمل فالإلحاد في الحرم؛ لأن أعظم محال العمل هو الحرم، وانتهاك حرمة المحل المكاني أعظم من انتهاك حرمة المحل الزماني - إلى أن قال- والمقصود أن من هؤلاء الثلاثة من ابتغى في الإسلام سنة جاهلية فكل من أراد في الإسلام أن يعمل بشيء من سنن الجاهلية دخل في هذا الحديث، والسنة الجاهلية كل عادة كانوا عليها، فإن السنة هي: العادة وهي الطريق التي تتكرر لتتسع لأنواع الناس مما يعدونه عبادة أو لا يعدونه عبادة قال تعالى: {قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض}، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لتتبعن سنن من كان قبلكم»، والاتباع هو الاقتفاء والاستنان، فمن عمل بشيء من سننهم فقد اتبع سنة جاهلية، وهذا نص عام يوجب تحريم متابعة كل شيء كان من سنن الجاهلية في أعيادهم وغير أعيادهم انتهى.
وقال أيضا في الكلام على قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من تشبه بقوم فهو منهم»، قد يحمل هذا على التشبه المطلق فإنه يوجب الكفر ويقتضي تحريم أبعاض ذلك. وقد يحمل على أنه صار منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه فإن كان كفرا أو معصية أو شعارا للكفر أو للمعصية كان حكمه كذلك، وبكل حال فهو يقتضي تحريم التشبه بهم بعلة كونه تشبها. والتشبه يعم من فعل الشيء لأجل أنهم فعلوه وهو نادر، ومن تبع غيره في فعل لغرض له في ذلك إذا كان أصل الفعل مأخوذًا عن ذلك الغير فأما من فعل الشيء واتفق أن الغير فعله أيضا ولم يأخذه