من القبور ولا المساجد والأماكن المعظمة سوى المساجد الثلاثة وباجتماع هذه الصيغ الثلاثة يزداد المنع شدة والله أعلم.
وقد أبى الجاهلون والغالون في القبور إلا أن يرتكبوا ما نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك بشدهم الرحال إلى قبره واتخاذهم بيته عيدًا يعتادون المجيء إليه والاجتماع عنده ويختلط الرجال بالنساء ويضجون بالأصوات المرتفعة ويسيئون الأدب مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}.
فنهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن الجهر لرسوله - صلى الله عليه وسلم - كما يجهر بعضهم لبعض وأخبرهم أن ذلك من أسباب حبوط الأعمال الصالحة؛ لأنه خلاف ما أمر الله به من توقيره واحترامه وحسن الأدب معه ثم أثنى تبارك وتعالى على الذين يوقرون رسوله - صلى الله عليه وسلم - ويستعملون أحسن الآداب معه ووعدهم على ذلك المغفرة والأجر العظيم فقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}.
وكما أنه لا يجوز الضجيج ورفع الأصوات عند النبي - صلى الله عليه وسلم - في حال حياته فكذلك لا يجوز شيء من ذلك حول قبره لأن حرمته ميتا كحرمته حيا صلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين.
وقد روى البخاري في صحيحه عن السائب بن يزيد قال: كنت قائما في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: اذهب فأتني بهذين فجئته بهما قال: من أنتما -أو من أين أنتما-؟