للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالإمتناع. لكن إذا جاز لها البدو للوغد حين يكون لها زوج، فهل يجوز لها البدو له حين تكون أيّمًا؟.

رأى (١) أبو الحسن اللخمي (٢): أن لا تبدو له.

وهذا الذي قاله خارج خروجًا صحيحًا على مذهب مالك، فإنه إذا كان المراعى والمعتبر في جواز البدو وامتناعه قوة انبعاث شهوتها عند النظر وضعفه، فبلا شك أن انبعاث شهوتها، إذا رأت عبدها الوغد -وهي قد طال عهدها واشتدت غِلْمتُها- أقوى وأشد من انبعاث شهوتها إذا رأت المنظراني وهي ذات زوج، مستغنية به عن مخالطة الريبة.

ولقد يُعتبر نظرها إلى (الوغد) (٣) إذا كانت لا زوج لها، وهي بعيدة العهد

من الجماع، مشتدة الغُلْمة، فكيف إلى عبدها الذي لها عليه سلطان الملك،

فلئن جاز لها البدو لعبدها الوغد حين تكون ذات زوج، فلا ينبغي أن يجوز لها ذلك حين تكون أيّمًا، واذا امتنع عليها النظر إذا كانت لا زوج لها إلى عبدها الوغد (٤)، فما ظنك به إذا كان مائس (٥) الأعطاف، فتان المنظر؟! فقد تقرَّر بما ذكلرناه صحة تخريج قول اللخمي على مذهب مالك.


(١) كذا في الأصل، وفي "المختصر": "روى".
(٢) أبو الحسن علي بن محمد الربعي المعروف باللخمي: كان فقيهًا فاضلًا دينًا مفتيًا، ذا حظ من الأدب والحديث، أشهر الناس صيتًا في بلده، نال رئاسة بلاد إفريقية جملة، له تعليق كبير على المدونة سماه بـ "التبصرة" مفيد، كان يهتم بتخريج الخلاف في المذهب، واستقراء الأقوال، يخالف المذهب فيما ترجَّح عنده، وهو أحد الفقهاء الأربعة الذين خرجوا من القيروان بعد خرابها، وهم: عبد الحميد المقرئ، وأبو الحسن اللخمي هذا، وأبو محمد، وأبو الرحال المكفوف. انظر ترجمته في ترتيب المدارك: ٤/ ٧٩٧.
(٣) في الأصل: "العود"، والظاهر: "الوعد" كما أثبته.
(٤) الوغد: القبيح المنظر، الدنيء من الرجال، الذي يخدم بطعام بطنه، أو الخفيف العقل.
(٥) يمشي وهو يتمايل ويتبختر.

<<  <   >  >>