للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثاني: هو أن ينظر إليه غير قاصد اللذة، وهو مع ذلك آمن من الفتنة، فهذان شرطان: عدم قصد الإلتذاذ، وعدم خوف الإفتتان، فهذا لا خلاف فيه أنه لا إثم عليه في هذا النظر الواقع منه في هذا الموطن، ويكون حينئذ بنظره إليه بمثابة من ليس له أرب في النساء من الرجال، يجوز له من النظر إليهم ما يجوز لذلك من النظر إليهن، على ما سنبين إن شاء الله تعالى في باب نظر الرجال إلى النساء.

الثالث: هو أن يتوفَّر له أحد هذين الشرطين دون الآخر، وذلك أن يفوته قصد الالتذاذ فينظر لا بقصد الإلتذاذ، فهذا أحد شرطي الجواز، وتأخر الشرط الآخر الذي هو عدم الخوف، بل خاف الافتتان واختلاف الهوى بالنظر بما يعلم من نفسه من أنها ربَّما تحركت، فهذا موضع الخلاف.

فمن الفقهاء مَن يقول: النظر إليهم في حق هذا حرام؛ لأنه حينئذ كالمرأة في حقه يحرم عليه من النظر إليه ما يحرم عليه من النظر إليها، فإن خاف الافتتان بها كان المتقرر شرعًا -من وجوب غض البصر- معلوم التعليل، بصيانة النفس عن الهوى الموقع في المعاصي (والفواحش) (١)، وهذا مقطوع به على حدِّ ما يقطع، فإن القصاص مشروع للزجر عن سفك الدماء، وبأن الزنى منهي عنه، مرجوم فاعِلُه، حفظًا للأنساب، فإن شرع الرجم فيه للزجر عنه، كذلك الأمر بغضِّ البصر لم يقع تعبُّدًا، أعني: غير معقول المعنى، بل معروف المغزى، متقرر المعنى، وهو أن البصر رائد القلب، جالب الأحوال إلى النفس، (فحينئذٍ) (٢) شرع ذلك، وحماه بتحريم النظر إلى ما يوقع في الفتن نعوذ بالله منها. وتلقى من هذا ما لم يزل موجودًا من الإفتتان بهم على حد الإفتتان بالنساء.


(١) في الأصل بدون واو العطف.
(٢) لعل هذا هو الصواب، وفي الأصل: "فحنن".

<<  <   >  >>