للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى إيقاعها، وإنما قال له: "اصرف بصرك" عما وراءها، وذلك والله أعلم أنه خاف عليه الهوى، لما (رآه) (١) (معتنياً) (٢) بالسؤال عنه، ولأنه معلوم من حاله - رضي الله عنه - أنه كان في الجمال (كيوسف) (٣)، وكذلك كان يقال: جرير يوسف هذه الأمة (*).

والنظر كما يجرُّ الناظر إلى الهوى، يجرُّه إلى المنظور إليه، كما قال (٤):

ويرفعُ الطرفَ نحوي إنْ مررتُ به ... ليُخجلني من شدَّة النَّظَرِ

وما زالَ يفعلُ بي هذا ويدمنُه ... حتى لقد صارَ من همِّي ومن نَظَرِي

فلعله -عَلَيْهِ السَّلَامْ- خاف أن يكون نظره جالباً إليه هوى، ومسبباً لمَن ينظر إليه هوى، فمنعه، وعلى هذا المعنى يخرج ما رُوي عن مالك -رَحِمَهُ اللهُ- من اشتراطه في نظر العبد إلى سيدته أن لا يكون له منظر، لأنه إذا كان له المنظر والجمال والشباب فنظر، (استمالها لا) (٥) بد؛ إذ [المرأة] (٦) تكون تارة ضعيفة سريعة الإنكسار، ولا سيما إن كانت لا زوج لها، بخلاف الوغد القبيح المنظر، هذا يمكن أن يكون نظره ترويعاً، فكيف أن يعد جالباً للهوى، والله أعلم.


(١) في الأصل: "رآها"، وهو تصحيف، والظاهر ما أثبت.
(٢) في الأصل: "معسا"، والظاهر ما أثبت.
(٣) في الأصل: "يوسفيد"، والظاهر ما أثبت.
(*) (قال أبو محمود وفقه الله: جرير بن عبد الله: البجلي الأحمسي، كان سيداً مطاعاً، بارع الجمال، صحيح الإِسلام، كبير القدر، يوسف هذه الأمة في حسنه وجماله، كان فارع الطول، يصل إلى سنام البعير، قال له عمر: ما زلت سيداً في الجاهلية والإِسلام، أسلم عام الوفود وقبل حجة الوداع، نزل الكوفة، ثم تحوَّل إلى قرقيسيا، وتوفي سنة (٥٤ هـ). انظر ترجمته في: تهذيب الأسماء واللغات: ١/ ١ / ١٤٧؛والاستيعاب: ١/ ١٢٣؛ والإصابة: ١/ ٢٣٢؛ وانظر مناقبه في: فضائل الصحابة، للنسائي، بتحقيقنا، ص: ١٧٥).
(٤) كذا في الأصل.
(٥) في الأصل: "استمال الإِبل"، والظاهر ما أثبت.
(٦) لا توجد في الأصل، ولعلها سقطت منه، والسياق يقتضي زيادتها.

<<  <   >  >>