طائلة ودنيا عظيمة على حدِّ تعبير ابن الأبار، واتخذ لنفسه ضيعة خارج باب فاس، وكان يتردد عليها باستمرار.
ويروي لنا ابن عبد الملك عن الحسن ولد ابن القطان أبياتًا يصف فيها أبوه نهرًا بضيعته تلك، كما يروي عنه أبياتًا شعرية قالها أبو الحسن لما عثرت به بغلته، عندما كان متوجِّهًا إلى ضيعته، وكان معه: أبو عبد الله بن المناصف الذي قال: ما بالها عثرت وما بها قُلبة؟ ..
فأجابه ابن القطان بقوله:
لم تعثر البغلةُ السفواء إذ عثرتْ ... من ضعفِ أيدٍ ولا من أنَّها خَرِقَهْ
لكنَّها غَشيتْ من نورِ ما حَمَلَتْ ... من العلومِ فخرَّتْ تحتَهُ صَعِقَهْ
والذين ترجموا لابن القطان متفقون على أنه لم يظفر بهذا الغنى والسعة في المال إلا بعد اتصاله بالموحدين، ونال من عطاءاتهم الشيء الكثير.
والمعروف عن ملوك الموحدين أنهم كانوا يُكرمون العلماء، ويُغدقون عليهم العطاء من غير حدود، وخاصَّة منهم المنصور الذي كان يقرِّب إليه كلَّ من اشتهر من علماء الحديث ويبوِّئه المكانة الرفيعة، وطرد فقهاء الفروع وأمر بإحراق جميع كتب الفروع بعد تجريدها من القرآن والسنَّة! .. وكان هذا المبدأ الذي أقامت عليه الدولة الموحدية سياستها الدينية، مغايرًا للمبدأ الذي كانت عليه الدولة المرابطية، حيث كانت تجلُّ علماء الفروع، وتصرف إليهم العطاءات، وتسند إليهم الخطط، فانقلب الأمر على عهد الموحدين، وصار العلم المبجل هو علم الحديث، ولذلك نال من معروفهم كلُّ مَن اشتهر في علم الحديث، وكان ابن القطان من بينهم، فنال بخدمتهم دنيا عريضة، وكان ذلك أحد الأسباب المباشرة في الحقد عليه والكيد له عند "العادل" أحد ملوك الموحدين، حتى همّ العادل بإلقاء القبض عليه، لولا أنه راعى ما قدّمه من الخدمات الجليلة إلى جده وأبيه وأخيه وعمه، كما كان ذلك أيضًا سببًا في الوحشة التي وقعتْ بينه