للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فانظر بعينك كيف ضربه بجلدة لا تضر، أصابت طرفَ ثوب إنسان، أقام يتفكر فيها سنة، ثم إنه ورّث لربها لأجلها ست مئة؛ خوفًا منها، فما ظنك بقطج والمحصبي اللَّذَين قتلا لأجل إراقة خمر مئةً وعشرين مسلمًا في جامع دمشق، وعلي أبوابه، وافتخرا بذلك هما وسيدُهما، ومع ذلك يزعمون أنهم أعدلُ من عمر بنِ الخطاب، هذا هو الضلال المبين.

وبه إلي ابنِ الجوزيِّ، أنا عبدُ الوهابِ بنُ المباركِ، ومحمّدُ بنُ أبي منصورٍ، قالا: أنا أبو الحسينِ بنُ عبدِ الجبارِ، أنا الحسنُ بنُ عليٍّ الجوهريُّ، أنا أبو عمرَ بنُ حيويه، أنا أبو بكرِ بنُ الأنباريِّ، ثنا إسماعيلُ بنُ إسحاقَ، ثنا اسماعيلُ بنُ أبي قيسٍ، ثنا مالكٌ، عن عاصمٍ، عن عبيدِ الله، قال: قال عمرُ بنُ الخطاب تحتَ شجرة في طريق مكة، فلما اشتدت عليه الشمس، أخذ عليه ثوبَه، وقام، فناداه رجلٌ غير بعيد منه: يا أمير المؤمنين! هل لك في رجلٌ قد رثدتْ حاجتُه، وطال انتظاره؟ قال: من رثدها؟ قال: أنت، قال: فجاراه

القول حتى ضربه بالمِخْفَقَة، فقال: عَجِلت عليَّ قبل أن تنظر فيّ، فإن كنتُ مظلومًا، رددتَ إليّ حقي، وإن كنتُ ظالمًا رددتني، فأخذ عمرُ طرف ثوبه، وأعطاه المخفقة، وقال له: اقتضِ، قال: ما أنا بفاعل، فقال: والله! لتفعلنّ، أو لتفعلنّ كما يفعل المنصف من حقه، قال: فإني أغفرُها، فأقبل عمر على الرجل، فقال: أنصف من نفسي أصلح من أن ينتصف مني وأنا كاره -يعني: يوم القيامة-، فلو كنت في الأراك لسمعت حنين عمر -يعني: بكاءه لأجل ذلك-.

<<  <   >  >>