أخبرنا جماعةٌ من شيوخِنا، أنا ابنُ المحبِّ، أنا القاضي سليمانُ، أنا الحافظُ ضياءُ الدينِ، أنا أبو عبدِ الله القرشيُّ، أنا أبو الحسنِ الغسّانيُّ، أنا ابنُ أبي الحديدِ، أنا جَدِّي، أنا ابنُ زَبْرٍ، ثنا أبو عمرانَ الجونيُّ، ثنا ابنُ أخي الأصمعيِّ، قال: حدثني عمي، قال: كنت عند أمير المؤمنين الرشيد، ومعنا سعيدُ بنُ سلم، فلما كان نحوُ نصفِ النهار، انصرفنا، فإذا نحن بيهوديين ضريرين، أحدُهما يقود صاحبه، فقال أحدُهما للآخر -وليس يعلم أن أحدًا يسمع كلامهما-: ويحك! قد أفرح سيدي الحرسي قلوبَ الخلق، فقل معي: يا حليمُ ذو أناةٍ لا تعجَلْ على الخاطئين، وإنما تؤخِّرهم إلي يومٍ تشخَصُ فيه الأبصار، لا طاقةَ لنا بسَعَةِ حِلْمِك عن سيدي الحرسيِّ، وأنت العليمُ الحكيم. قال الأصمعي: فقلتُ لسعيد: هل سمعتَ؟ قال: قد سمعتُ، قال الأصمعي: فلمَّا وصلتُ إلي منزلي، رميتُ ثيابي لأستريح، فإذا رسولُ الخليفةِ يدعوني إليه، فراعَني ذلك، وصرتُ مع الرسول، فإذا هو جالسٌ في مجلسه ذلك، فقال لي: لا تُرَعْ، إنكم لمّا نهضتم، غفوتُ، فإذا قائل يقول لي: اعزلْ سيدي الحرسيَّ عن رقابِ الناس، وسلِ الأصمعيَّ عمّا سمع، قال: فحدثتُه الحديث، فظهر عليه من الخشوع والجَزَع شيء عظيم، وعلم أنها دعوةٌ استجيبت من وقتها، وبعث فأشخص إلي حرسيٍّ، فضربه ألفَ سوط، ثم أخذ صفَة اليهوديين، وأمر بطلبهما من بغدادَ كلِّها، ومساءلة اليهود عنهما، فلم يعرفوهما، ولا سُمع لهما بذكر، ولا بمعرفة.
قلت: إنما هما مَلَكان تمثّلا في تلك الصورة، والله أعلم.