للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خاطئًا؛ لأنها اتخذت العصر وما فيه من قيم متغيرة مقياسًا لحقائق التوراة الثابتة. إنها تجعل العصر هو الحاكم إما أن تتكيف اليهودية معه أو تموت، ولكن هِرش يرى أن موت اليهودية هو في تطويعها لمبادئ العصر المتغيرة. إن الطريقة الصحيحة في نظره هي أن تجعل التوراة وما فيها من حقائق ثابتة معيارًا لما في العصر من خير أو شر؛ لأن التوراة هي في المنزلة العليا فوق متغيرات الحضارة، من غير أن تغمض التوراة عينيها عن كل ما هو نافع في المعرفة الجديدة. ويوجز رأيه في عبارات قليلة في أحد كتبه فيقول:

"إن الدين في نظرهم صحيح مادام لا يتعارض مع التطور، وفي نظرنا التطور صحيح مادام لا يتعارض مع الدين" (١).

عاصفة التجديد في أمريكا (٢):

لم تكن حركة اليهودية الإصلاحية (Reform Judaism) قاصرة على ألمانيا بل تعدتها إلى غيرها من البلاد الغربية، فدخلت للجاليات اليهودية في فرنسا وإنجلترا وأمريكا وغيرها، وذلك في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. وإذا كانت ألمانيا هي مركز الحركة حتى ذلك الوقت، إلا أنه بسبب الظروف غير المستقرة التي كانت تمر بها أوروبا عمومًا، وبسبب هجرة اليهود الواسعة وبخاصة الألمان إلى أمريكا، تحول مركز الحركة وثقلها في النصف الأخير من ذلك القرن إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

كانت بوادر الحركة في أمريكا قد ظهرت منذ العقود الأولى في ذلك القرن، مقتفية آثار الحركة في ألمانيا ومعتمدة عليها في فكرها وفي نوعية إصلاحاتها، ويؤرخ عادة لهذه البداية بالعام (١٨٢٨ م) حيث تأسست في ولاية كارولينا الجنوبية جمعية صغيرة باسم "جمعية الإسرائيليين التجديدية" (Society of Israelites Reformed) ولكن الحركة استمرت ضعيفة ومتعثرة إلى أن هاجر أحد الأحبار الذين شاركوا في الحركة الألمانية، فكانت لجهوده آثار في إنعاش الحركة في أمريكا، وبفضل نشاطه تكونت في عام (١٨٧٣ م) مؤسستها المعروفة


(١) Blau p.٧٨.
(٢) Martin, p.٢٨٩, Blau p.٥٠.