للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

و"البشري"، (Divine and human) مزيج من الحقائق الإلهية ومن الفهم البشري المحدود لهذه الحقائق والمشوه في أحيان كثيرة. وبما أن البشرية تكتسب معرفة جديدة في كل جيل، وهذه المعرفة نفسها هي كشف من الله ونوع من الوحي يسميه الوحي المتطور (progressive revelation) فإن التوراة والتلمود رغم أنهما وحي، إلا أنهما لم يستوعبا نهائيًا وبصورة كاملة الحكمة الإلهية.

وبهذين المفهومين مفهوم التفرقة بين ما هو بشري وإلهي في تعاليم الدين، ومفهوم أن اكتشاف معارف جديدة هو نوع من الوحي ينبغي إعادة النظر في التوراة والتلمود على ضوئه، أراد جايجر لليهودية أن تتطور في أشكالها البدائية إلى منزلة عالية من السمو الروحي والأخلاقي والثقافي.

وهكذا أسهم هؤلاء المفكرون في تقديم الأساس النظري والحجج الفلسفية لإجراء التعديلات في اليهودية. وقد شملت التعديلات عمليًا الصلوات في محتواها وفي لغتها وفي طريقة أدائها، فقد سمح بتلاوتها باللغات المحلية، وألفت كتب صلوات جديدة (Prayer books) وحذف منها كثير مما يعتقد بأنه مجاف للروح العصرية، وسمح باستعمال آلة موسيقية حديثة في أثنائها، وشملت التعديلات وضع المرأة في اليهودية، وبخاصة مسألة الزواج بغير اليهودي، ومسألة الطلاق ومسألة الاختلاط حتى لقد أصبحت المرأة تجلس بجانب الرجل في المعابد الحرة في أثناء الصلوات، وخففت التعديلات من المحرمات الصارمة في يوم السبت وأهمل الختان باعتباره ممارسة خرافية (١).

ومما لا شك فيه أن هذه الآراء قد أثارت اعتراضات وضجة كبيرة وسط اليهود وقوبلت بالهجوم والنقد من أكثر من مفكر يهودي، ومن أشهر هؤلاء واحد يستحق الذكر هو سامسون رفائيل هرش (Hirsh) (١٨٠٨ - ١٨٨٨ م) (٢)، فقد تزعم الموقف التقليدي وهاجم الحركة الجديدة بفكره وقلمه، وأسس تيارًا فلسفيًا وفكريًا قويًا وترك وراءه خلفاء في نفس الدرب. كان هِرش قد أخذ على عاتقه إيجاد صلة بين التوراة وبين أفكار وقيم القرن التاسع عشر الميلادي، وكان مقتنعًا أن حركة اليهودية المتحررة تسعى لنفس الهدف ولكنها تسلك لتحقيقه طريقًا


(١) Johnlewis, "the religions of the world",p .٨١,and blau, p.٤٨.
(٢) Martin, p.٢٥٣, blau p.٦٢.