للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المادية، واقتباس العلوم العصرية بحذافيرها وعلى علاتها، وتفسير الإسلام والقرآن تفسيرًا يطابقان ما وصلت إليه المدنية والمعلومات الحديثة في آخر القرن التاسع عشر المسيحي، ويطابقان هوى الغربيين وآراءهم وأذواقهم، والاستهانة بها لا يثبته الحس والتجربة ولا تقرره علوم الطبيعة في بادئ النظر من الحقائق الغيبية" (١).

ولد سيد خان في دلهي في أسرة من علية القوم عريقة وذات صلة وطيدة بالحكام المغول، وإن كانت فقيرة، ونشأ في جو مشبع بالتصوف، وقرأ في صغره القرآن وعلوم اللغة العربية واللغة الفارسية، ولكن لم يكد يمضي في هذه الدراسة قليلًا إلا ورغب عنها ونفض يده منها. وعلى يد أحد أفراد عائلته أخذ يتعلم الرياضيات وعلم الهيئة، ولم يكن حظه فيها إلا كحظه في دراسته الأولى وانقطع أخيرًا عن التعلم في سن الثامنة عشرة، وعاش في شبابه حياة مرح يحضر حفلات الرقص والغناء الشائعة في طبقته (٢).

وفي سن الثانية والعشرين اضطر بسبب وفاة والده للالتحاق بخدمة الحكومة الإنجليزية في سلك القضاء، وعمل في عدد من المدن الهندية. وبعد فترة ثاب إلى نفسه وبدأ في تغيير حياته وإصلاحها، وأقبل على التعلم من جديد ثم ألف عددًا من الكتب في السيرة النبوية والتاريخ (٣).

وكان إخفاق الثورة الهندية عام (١٨٥٧ م) نقطة تحول في حياته إذ رأى بأم عينيه المأساة التي عاشها المسلمون وسقوط دولتهم والخراب والدمار الذي لحقهم، وكاد أن يهاجر ويترك وطنه إلا أنه فضَّل البقاء. ومنذ أول وهلة كان يدرك أن تلك الثورة نتيجتها الفشل، فلهذا وقف في أثنائها يناصر الإنجليز ويساعد في حمايتهم ونجاة بعض عائلاتهم من القتل (٤). لقد أيقن بعد تلك الثورة الفاشلة أن ولاء المسلمين للحكم الإنجليزي هو السبيل الوحيد لإنقاذهم، ولم يكن ذلك موقفًا سياسيًا فحسب بل كان نابعًا من إعجابه المفرط بالإنجليز


(١) "الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرية الغربية - أبو الحسن الندوي ص ٧١.
(٢) Hali, Hayat-i-Javed, P ١ - ٢٨.
(٣) المصدر نفسه. P. ٢٩ - ٤٥.
(٤) المصدر نفسه. P ٤٨ - ٥٦.