للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قضية المرأة، فقد أراد لها أن تتحرر من تقاليدها الماضية وتقتدي بالمرأة الغربية، وقد كان ذلك هو محور آرائه في كتابيه "تحرير المرأة" و"المرأة الجديدة"، فقد أعلن بلا مواراة أن التمسك بالماضي هو من الأهواء التي يجب أن ينهض الجميع لمحاربتها؛ لأنه ميل يجر إلى التدني والتقهقر وأنه هو الداء الذي تلزم المبادرة إلى علاجه، وليس له من دواء إلا معرفة شؤون المدنية الغربية والوقوف على أصولها وفروعها وآثارها، وهو مؤمن أن الغربيين قد وصلوا إلى درجة رفيعة من الأدب والتربية مثل ما أنهم متقدمون في العلوم والصنائع، ومسألة حقوق المرأة وحريتها عند الغرب ليست في نظره مجرد عادة اجتماعية بل هي مسألة علمية، والحقيقة أنهم درسوها -كما يقول- درسًا تامًا كغيرها من المسائل الاجتماعية، إذ يصعب على العقل أن يظن أن علماءهم الذين يجهدون أنفسهم في اكتشاف أسرار الطبيعة يغفلون عن هذه المسألة أو يهملونها، وهذا هو السبب الذي جعله يضرب الأمثال بالأوروبيين ويشيد بتقليدهم، وحمله على أن يستلفت الأنظار إلى المرأة الأوروبية لأن المدنية الإسلامية "ولا يقول الدين الإسلامي"، أخطأت في فهم طبيعة المرأة وتقدير شأنها (١).

وهذا الإيمان العميق عند قاسم أمين بحضارة الغرب وقيمها وآدابها ليس أمرًا مستغربًا ولا مثيرًا للدهشة، بل هو الثمرة الطبيعية لثقافته الغربية البحتة ودراساته في فرنسا، ولكن الأمر الذي يستلفت النظر هو أنه دعا المرأة المسلمة لأن تقلد المرأة الغربية في كل شؤون حياتها، وحبذ لها أن إسلامها ودينها لا يعارض هذا التقليد. ومع أنه يعترف بقلة بضاعته في الثقافة الإسلامية؛ وأنه قليل الاطلاع على ما كتبه المسلمون قصير الباع في علومهم (٢)، ومع أنه يقول عن نفسه "لست أحب الخوض في حديث عن الدين لأسباب تتعلق بطبيعتي الخاصة وبحرصي على مراعاة اللياقة العامة" (٣)، وكلنا يفهم مغزى هذا الاعتراف، إلا أنه مع ذلك ناقش أمهات المسائل الدينية الخاصة بالمرأة من الحجاب والطلاق وتعدد الزوجات وتعليم المرأة وعملها، وكانت المهمة الصعبة أمامه هي أن يوفق


(١) "المرأة الجديدة" قاسم أمين، "الأعمال الكاملة"، تحقيق: محمد عمارة ٢/ ٢٠٣ - ٢٢١.
(٢) المصدر نفسه ص ٢١٠.
(٣) المصريون، "الأعمال الكاملة" لقاسم أمين ١/ ٢٩٦.