للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرعية يتوقفان على الخلافة، بمعنى الحكومة في أي صورة كانت الحكومة ومن أي نوع، مطلقة أو مقيدة، فردية أو جمهورية، استبدادية أو دستورية، ديمقراطية أو اشتراكية أو بلشفية" (١).

ويؤكد علي عبد الرازق أن زعامة الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت زعامة دينية وولاية روحية، لا شأن لها بالحكم والسياسة. وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسع إلى تأسيس دولة. وأن كثيرًا من أعمال الحكومات ووظائفها الأساسية لم يكن موجودًا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن بعض ما يشبه أن يكون في السيرة النبوية من مظاهر الحكومة السياسية وآثار السلطة، كان فقط وسيلة لجأ إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - تأييدًا للدعوة وتثبيتًا للدين (٢).

ثم يدرس الشيخ علي الخلافة والحكومة في التاريخ الإسلامي، ليقرر أن الإسلام نظام ديني لا صلة له بأنظمة السياسة، وأن ما تعارف عليه المسلمون من نظام للحكم فهو مسألة تاريخية لا دخل للدين بها، وأن دولة العرب قامت كما قامت من قبلها دول وقامت من بعدها دول، ولهذا لا شيء في الدين يمنع المسلمين من أن يهدموا نظام الخلافة، ذلك النظام العتيق الذي ذلوا له واستكانوا وصور لهم الخطأ والوهم أنه من الدين، وأن يبنوا نظام حكومتهم على ضوء تجارب الأمم الأخرى وما أنتجته العقول البشرية في علوم الاجتماع والسياسة (٣).

والذي يرمي إليه علي عبد الرازق هو أن يأخذ المسلمون نظم الغرب السياسية ويؤسسوا حكمهم عليها، ولكن أخطر ما في الأمر والذي أثار الضجة العالية عن الكتاب هو أنه لم يدع إلى ذلك بالصراحة التي ينادي بها دعاة التغريب والعلمانيون، وإنما قدم دعوته في قالب الإسلام، وغلفها بغلاف الشرع، واحتج عليها بحجج دينية، وتلك هي العصرانية في صورة من أوضح صورها، وبوجه من أكثر وجوهها سفورًا وبروزًا.


(١) "الإسلام وأصول الحكم" ص ١٣٥.
(٢) المصدر نفسه ص ١٣٩ - ١٦٧.
(٣) المصدر نفسه ص ١٧٤ - ١٨٢.