للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له صلات قوية بالحركة الفكرية فيها، وبعد إنشاء حكومة باكستان عمل في خدمة حكومتها، حتى استقال من خدمتها عام (١٩٥٢ م) وكان يشغل منصب ممثلها في الأمم المتحدة (١).

وقد عرفه العالم العربي من خلال أول كتاب ترجم له إلى اللغة العربية بعنوان: "الإسلام على مفترق الطرق"، وصدرت الترجمة عام (١٩٤٦ م)، واشتهر وذاع بسبب هذا الكتاب الذي لاقى انتشارًا واسعًا يتضح من تعدد طبعاته. ومن خلال الكتاب -يبدو فكر المؤلف ناصعًا ورؤيته واضحة، وبخاصة لمعايب الحضارة الغربية ولأخطار تقليدها على المسلمين، ولمزايا الإسلام عليها ولأهمية التمسك بأسسه وأصوله الكتاب والسُّنَّة. ولما كان المؤلف من أبناء الغرب وأهله أحدث نقده للحضارة الغربية، وشهادته للإسلام بغض النظر عن قيمة محتواه، تأثيرًا قويًا ولاقى رواجًا وإعجابًا.

ولكن كتب المؤلف الأخرى لا تعطي الانطباع الذي يعطيه كتابه السالف، وإذا استبعدنا كتابه "الطريق إلى مكة المكرمة" الذي هو قصة أدبية رائعة عن الثلاثين سنة الأولى من حياته واعتناقه الإسلام، ولا يعد كتابًا فكريًا، فإن كتبه الأخرى (٢) تنضح بفكر عصراني خالص، حتى إن المرء لا يجانب الصواب كثيرًا إذا وصفه -وبخاصة في ترجمته لمعاني القرآن والحواشي والهوامش التي ضمتها الترجمة- بأنه نسخة أوروبية لسيد خان، أعظم مفكري العصرانية المسلمين. ولا غرو فإنه لتأثره بالمادية الغربية التي لا تؤمن بما وراء المحسوس المشاهد، لم يستطع أن يتخلص من بقاياه الجاهلية، فأقبل في الإسلام على العصرانية يأول ويفسر كل شيء في حدود عالم الحس وأذواق الغرب. ويقدم لنا محمد أسد -تمامًا كسيد خان- نموذجًا متكاملًا للفكر العصراني الإسلامي، إذ لم يقتصر فكره في دائرة واحدة من دوائر الإسلام، بل شمل العقائد والتفسير والحديث والفقه. ونقدم هنا أمثلة قليلة من ذلك.


(١) "الطريق إلى مكة المكرمة" محمد أسد، ترجمة: عفيف البعلبكي ص ١٦، و"الإسلام على مفترق الطرق" محمد أسد، ترجمة: عمر فروخ ص ١٢ - ١٤.
(٢) من كتبه "منهاج الإسلام في الحكم"، وترجمة لـ"معاني القرآن"، وترجمة لـ"صحيح البخاري" إلى الإنجليزية.