للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأمثلة كثيرة ومتعددة، وبإيجاز يمكن القول أن أي معجزة في القرآن ضاق عقل أسد المادي عن إدراكها، راح يأولها بهذه الجرأة وبهذا الخرص والخبط.

الفقه من خلال ذوقه الأوروبي:

وإذا كانت هذه نظرة أسد إلى أمور العقيدة ومنهجه في تفسيرها؛ فكيف ينظر إلى مسائل الفقه التي لا يستسيغها "ذوقه" الأوروبي. ويأتي أولًا السؤال ما الذي لا يستسيغه "الذوق" الأوروبي من الفقه الإسلامي، ثم ننظر ثانيًا في "المنهج العلمي" الذي يقدمه أسد لتأويله ليوافق "ذوق" الغرب المتحضر.

نختار ثلاث دوائر من التي يكثر اعتراض الغرب عليها في الإسلام: "وضع المرأة، والحدود، والربا". والأمثلة عن هذه تكفي.

أما عن المرأة فنكتفي برأي أسد في الحجاب. يقول عن قوله تعالى في ذلك في سورة النور: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: ٣١] أن المقصود بها اللباس المحتشم وستر الزينة، إلا ما يظهره الإنسان في العادة الجارية" (١)؛ أي: العادة الجارية في مجتمعه. ويعيب على المفسرين الأوائل أنهم قصروا ما يظهر على الوجه والكفين فقط وأحيانًا أقل، ويقول أن معنى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أوسع من ذلك، ويرى أنه لفظ عام، وأنه بعمومه قصد منه أن يفتح المجال للتغيرات التي تحدث في حياة الإنسان الخلقية والاجتماعية في كل زمان. إن الأمر البالغ الأهمية هو في "غض البصر وحفظ الفرج"، وما يحقق هذه الغاية في كل زمان هو الذي يحدد ما يعد من "الحشمة أو ما لا يعد في مظهر الإنسان الخارجي" (٢)؛ أي: أن المقياس والمعيار الأساسي هو الحشمة، وليس لذلك حدود إلا ما تحدده عادة المجتمع الجارية وليس بالضرورة أن يكون ذلك ستر ما عدا الوجه والكفين.


(١) هذه جملة مبتورة نُسبت إلى القفال في "تفسير الرازي". وعبارة القفال الكاملة هكذا: (معنى الآية إلا ما يظهره الإنسان في العادة الجارية وذلك في النساء الوجه والكفان). انظر: "التفسير الكبير" للرازي سورة النور آية ٣١، ٢٣/ ٢٠٥، ط أولى المطبعة البهية القاهرة. .
(٢) المصدر نفسه P.٥٣٨.