وفي مجال الحدود نأخذ مثالًا رأيه في عقوبة الحرابة، وخلاصة رأيه: أن من يظن أن (العقوبات الوحشية) الواردة في الآية {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}[المائدة: ٣٣]، من يظنها عقوبات شرعية، فقد وقع في خطأ بالغ، وأن ما ذهب إليه المفسرون من أن المقصود بهذه الآية فرض عقوبات جنائية رأي مرفوض مطلقًا، مهما كانت الأسماء التي قالت بهذا الرأي كبيرة ومشهورة. ويؤكد أن الآية لا تنشئ أمرًا ولا تقصد تنفيذ طلب بل هي تقرير لحقيقة ويسوق لتأييد رأيه بعض الحجج، من ذلك أن الأفعال الواردة في هذه الآية {يُقَتَّلُوا}{يُصَلَّبُوا}{تُقَطَّعَ}{يُنْفَوْا} واردة بصيغة المضارع، ولا يفهم منها الأمر والطلب "وهذا مثال لأحد المواضع التي يظهر فيها ضعفه في اللغة". ومن الحجج أيضًا أن صيغة هذه الأفعال تدل على المبالغة، ويفهم هو من ذلك أن المقصود أن القتل والصلب والقطع هو لأعداد كبيرة، فهل يمكن أن يكون المقصود أن يعاقب عدد كبير من المحاربين ويعفى عن البقية؟ إذا كان القصد السجن فليس ذلك نفيًا من كل الأرض، وإذا كان المقصود النفي من دار الإسلام فدار الإسلام ليست هي كل الأرض. ومن أقوى الأدلة عنده على أن الآية لا تقرر عقوبات شرعية؛ لأن العقوبات الواردة فيها قد ذكرها القرآن على لسان فرعون الذي هو مثال الطغيان والشر والعدوان في القرآن، حين قال: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (١٢٤)} [الأعراف: ١٢٤]، "فهل يعقل أن يجعل القرآن هذه عقوبات شرعية للمجتمع المسلم، وقد اعتبرها في موضع آخر جريمة نكراء من جرائم عدو الله فرعون؟ ".
ويخلص من ذلك إلى أن التفسير الصحيح للآية أنها تقرر حقيقة، وهي أنه لا مهرب لمن يحاربون الله ورسوله من العقاب الذي يجرونه على أنفسهم بأنفسهم وذلك أنه بسبب ما يحدث من الصراع بينهم، فإنهم يقتلون أنفسهم بأعداد كبيرة، ويعذبون ويشوهون بعضهم بعضًا بأعداد كبيرة، إلى الحد الذي يقطعون فيهم دابر بعضهم بعضًا أحيانًا {يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ}؛ ويرى أن هذا التفسير هو الذي يستقيم مع سياق الآية وتزول به الاعتراضات التي يعترض بها على التفسير الأول (١).