للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأول ما يستلفت النظر في الفروض الثلاثة الآنفة، أنها في الأصل ليست نظريات دينية، بمعنى أنها لم تتولد أساسًا نتيجة تفكير ديني، أو جاء بها وحي إلهي، إنما هي نظريات فكرية فلسفية نشأت خارج الدين. وعلى وجه الدقة فإنها من نظريات علم الفلسفة وعلم الاجتماع الغربيين. فمبدأ التطور Evolution (١) ، والمذهب النسبي Relativism، وعلم اجتماع المعرفة Sociology of knowledge، وأمثالها كلها ذات تأثير عميق في الفكر العصراني، وقد شيد بناءها فلاسفة الغرب وعلماء الاجتماع فيه، ولا يزال الجدل يحتدم حولها، ولها أنصارها ومؤيدوها، ونقادها ومعارضوها. وعلى هذا البناء الذي لم يستقر بعد ولم يعترف بأنه حقائق علمية ثابتة، تقيم العصرانية فكرها وتريد أن تحاكم الدين على أساسه.

نقد فكرة التطور:

تتحدث العصرانية عن التغير الاجتماعي والتطور الثقافي وكأنه مسلمة بديهية لا تحتاج إلى إثبات، ولكن هل تبدو فكرة التطور كذلك، إذا نظر إليها المرء بعين فاحصة؟

ما التطور؟

إن الكلمة في معناها الواسع تعني تغيرًا متواصلًا من حالة أولية إلى حالة متقدمة، وهذا المعنى يتضمن أن هناك تحولًا دائمًا يحدث، وأن هذا التحول يحدث نحو الأحسن، ومن هذا يمكن أن يقال أن التطور هو التغير نحو الأفضل أو أنه التحول نحو الأصلح.

والمدهش هنا أنك مهما عرَّفت التطور بأي ألفاظ متقاربة، فإن الذي يبدو واضحًا أن كلمة التطور لا تحمل معنى ذاتيًا مستقلًا، أو بعبارة أخرى أن كلمة التطور كلمة فارغة المحتوى، إلا إذا أضيفت إلى غيرها. ذلك أن التغير نحو الأحسن أو التحول نحو الأفضل يقتضي أن يكون واضحًا ما الأحسن وما الأفضل. إن التطور هو حركة إلى الأمام، ولا يمكن الحكم بأن حركة ما إلى


(١) The Encyclopedia of Philosophy, Vol,٢,P.٣٠٢,V,٣,P.٧٥.V.٧,P.٤٧٥,Macmillan& free Press, New York ١٩٦٧.