"باعتباري مريدًا وتابعًا لدين لا يمكنني -أبدًا- أن أقبل وضعًا يستجيب فيه هذا الدين لكل تغير، ولا يمكن أن توافق أنت على ذلك أيضًا؛ لأن الدين ليس مقياس حرارة يقتصر عمله على تسجيل درجة الحرارة، ولا هو بالأداة التي ترصد اتجاه هبوب الرياح. . . لا يمكن تعريف الدين بهذه العبارات ولا يمكن أن يصير إلى أداة آلية غريبة. وليس بيننا واحد يريد من الدين أن يعمل كسجل لتغيرات الأزمنة، وأن دينًا وضعيًا مزعومًا لا يمكن أن يتحمل هذا الوضع فكيف بدين منزل؟
إن الدين يقر التغير كحقيقة واقعة، ويعطي أكمل مجال لسير الأمور من أجل تحول صحيح سليم.
الدين يتقدم مع الحياة يدًا بيد ولا يواكبها فقط كتابع لها. . . ووظيفته هو أيضًا أن يميز بين تغير سليم وآخر غير سليم، وبين نزعة هدامة وأخرى بناءة. . . ويجب أن يقرر الدين فيما إذا كان التحول نافعًا، أو ضارًا بالبشرية، أو بأتباعه على الأقل.
وبينما يتمشى الدين مع الحياة الديناميكية جنبًا إلى جنب من جهة، فإنه يعمل حارسًا وحاميًا لها من جهة أخرى، وتجب عليه مهمة المراقبة والضبط أيضًا. وليس من مهمة الوصي أن يدعم كل ما يفعله القاصر الموضوع تحت وصايته، ويؤيد كل ميوله الجيدة منها والسيئة، أو أن يصادق بختم الموافقة على كل شيء يسعى وراءه. . . بل إن الدين يمتلك ختمًا واحدًا وحبرًا واحدًا ويدًا واحدة فقط. . . وليس من شأنه أن يلصق طابعه على أي وثيقة أو صك. . . بل يجب عليه أن يميز ويختار. أجل إنه يفحص (الوثيقة) أولًا، ثم يصدر حكمه، فإن وجد فيها خطأ أو ضررًا حاول الدين أن يتركها، برفق إذا أمكن، أو بقوة إذا اقتضى الأمر ذلك، وإذا عرضت عليه وثيقة واعتبرها ضارة بالجنس البشري، فهو لا يمتنع عن تصديقها وختمها فقط، بل يكافح لمقاومتها" (١).
مكانة عصرنا بين العصور:
"إن الإنسان في كل عصر اعتبر عصره "عصرًا جديدًا" وظن العصور السالفة
(١) "الإسلام في عالم متغير" أبو الحسن الندوي ص ٥٧.