للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحاضر، وكما أن دعاة الفجور والمجون ومقترفي السوء والفاحشة، برزوا إلى مسرح الحياة في الأحقاب الخالية، كذلك شوهدوا اليوم وفي العصر الحاضر؛ أي: أنه لم يدخل أي فرق حتى في نوعية مجونهم وفجورهم، هكذا وكما أن الدنيا رأت أناسًا عرفوا الحق وآمنوا به وجاهدوا في سبيله في زمن نوح -عليه السلام-، كذلك ترى الدنيا وفي العصر الحاضر جماعات من البشر من حملة الحق ودعاته.

فما زال الخير هو الخير بنصه وفصه، وما زال الشر هو الشر بقَضِّه وقضيضه، ومن تقدم وسائل الإنسان وأساليبه، واكتشافاته العلمية واستخدام تلك الاكتشافات في مجالات الحياة، إذا طرأ على طبيعة الانسان فرق، فليس ذلك الفرق أساسيًا وجوهريًا، وانما هو فرق في التقنية والأسلوب" (١).

نقد معارف العصر:

تدعو العصرانية إلى النظر إلى تعاليم الدين من خلال معارف العصر ومن خلال الثقافة الحديثة. وما يتعارض مع هذه المعارف في نظرها تعتبره من الزوائد التي أدخلها البشر على الدين بفهمهم ومعرفتهم المتاحة لهم في عصرهم. وبما أن المعرفة البشرية تتقدم وتتسع آفاقها، فإنه لابد من إعادة النظر في فهم العصور الماضية للدين، وإرساء فهم جديد على ضوء المعارف العصرية.

وليس هناك من ريب أن الدين الصحيح هو الذي يساير المعرفة البشرية في اتساعها ولا يتناقض مع اكتشافات العلوم الجديدة، مهما تكاثرت وتعددت. ولكن القضية بالتعميم الذي تنادي به العصرانية يحتاج إلى نظر، فما هي حقيقة معارف العصر التي تدعونا العصرانية أن نطرح من أجلها تراث الدين في العصور الماضية؟

إن ذلك الإعجاب الكبير والثقة المفرطة بمعارف العصر تتداعى أمام ثلاثة مطاعن أساسية (٢):


(١) "تحديات العصر الحاضر والشباب" أبو الأعلى المودودي، المختار الإسلامي، القاهرة ١٣٩٩ هـ.
(٢) انظر: "نحن والحضارة الغربية" المودودي ص ١٦٤، "دور الطلبة في بناء مستقبل العالم الإسلامي" المودودي ص ٣٣، "الدعوة الإسلامية والغزو الفكري". د. جعفر شيخ إدريس ص ٤ - ٨ (بحوث المؤتمرات العالمية للدعوة الإسلامية بالسودان ١٤٠١ هـ).