إذا كان ما اعتبر مقدسًا من كتب اليهودية والنصرانية هو في حقيقة الأمر كتابات بشرية، يتجلى فيها الفكر البشري بطبيعته القاصرة، فإن اكتشاف هذه الحقيقة لابد أن يهز أي مؤمن من هذين الديانتين، ولابد أن تثور في ذهنه تساؤلات حائرة ما التغيير والانحراف الذي حدث وما درجته؟ وكيف يمكن تمييز الصواب من الخطأ؟ وأين الحقائق الإلهية الثابتة التي تضمنها الوحي الإلهي وما الزوائد التي أضافها البشر؟ وكيف يتم تصحيح ما تسرب من الأخطاء البشرية للدين.
وقد كانت العصرانية محاولة للإجابة على هذه الأسئلة الحائرة، ولكن لما كانت هي أيضًا محاولة بشرية للتصحيح، تعتمد على معارف البشر فقط وعلى تجاربهم، وليس بين أيديها نصوص الدين الأصلية الصحيحة، أو أي مصادر موثوقة لم يدخلها التغيير والتبديل، فقد فقدت المقياس والمعيار الذي يمكن أن يتم وفقه التصحيح ولهذا جاء تجديدها خبطًا عشوائيًا يصيب أحيانًا ويخطئ في أكثر الأحيان. ذلك أنه إذا كان العقل البشري عاجزًا ابتداء عن ابتداع دين وضعي، فمن الخطأ الظن أن بإمكان هذا العقل تصحيح ديانة محرفة اعتمادًا على معارف البشر وحدها.
وهكذا فإن اتخاذ المعارف البشرية وحدها أساسًا لتصحيح الدين هو الخطأ الأساسي للعصرانية في الغرب، الذي كانت نتيجته الفشل وراء الفشل، والخبط والتيه، ومعالجة الانحراف بانحراف أكبر، واستبدال الباطل بآخر من نوعه، أو أخطر منه.
وهنا يكمن الفرق الأساسي بين الإسلام وبين هاتين الديانتين المحرفتين، إذ إن القرآن والسُّنَّة وهي نصوص الإسلام الأصلية الموحاة، محفوظة بكل حروفها وألفاظها ومعانيها، وهذا الحفظ يجعل للإسلام وهو الرسالة الإلهية الأخيرة للبشرية ميزة وخاصية فريدة، ذلك أن بين يدي كل جيل في كل عصر، الأصول الصحيحة التي يمكن في ضوئها بعث الدين نقيًا خالصًا.