للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يدركون إلا الصفات السلبية؛ أي: أن الله سبحانه ليس كذا، أما صفات الإثبات فما هي إلا مجازات عامة Generelized Metaphores، تنقل إلينا -وإن كانت بصورة ناقصة- فكرة عن وجود الله وفعله. وهذا الرأي ليس جديدًا، بل هو رأي قديم لبعض الفرق المنحرفة (١). والذي أوقع محمد أسد في هذا الخطأ كما وقع فيه من سبقه، هو الظن أن إطلاق هذه الأسماء والصفات وهي بلغة البشر يجعل الذهن ينصرف إلى المعهود للعقل البشري، مما يقع تحت تجاربه وذلك يوهم مماثلة بين الله ومخلوقاته. ولكن هذا خطأ إذ إن إطلاق صفة ما على الله سبحانه، وإطلاق الصفة نفسها على شيء من مخلوقاته لا يوجب تماثلًا أو تشابهًا. ومحمد أسد نفسه في ذات عبارته السابقة يثبت لله وجودًا وفعلًا Existance and activity، وكلنا يعلم أن الأشياء المبثوثة في هذا الكون لها وجود ولها نوع من الفعل، فكما أن الله موجود حقيقة، فكذلك الكون موجود حقيقة، وليس هذا مثل هذا. والله تعالى له ذات حقيقة، والمخلوقات لها ذوات حقيقة، وليست ذاته كذوات المخلوقات. وكذلك لله علم وسمع وبصر حقيقة، ولبعض المخلوقات علم وسمع وبصر حقيقة، وليس علمها وسمعها وبصرها مثل علم الله وسمعه وبصره. ولله كلام حقيقة وللبشر كلام حقيقة، وليس كلام الخالق مثل كلام المخلوقين، وهكذا سائر الأسماء والصفات. وهذا الموضع من فهمه فهمًا جيدًا وتدبره انكشف له غلط كثير من الأذكياء فيه (٢).

فالله -عز وجل- عرّف نفسه إلى الخلق بلغتهم، واختار الألفاظ المناسبة التي تصف لهم ما غاب عنهم، وهذه الألفاظ تصف الغيب وصفًا حقيقيًا وليس وصفًا مجازيًا رمزيًا.

٢ - كلنا نؤمن يقينًا أن الله خلق هذا الكون وما فيه من نواميس وقوانين، ولكن هل تخلى الله عن الكون بعد خلقه ووقف متفرجًا عليه (سبحانه) وتركه لمجموعة من القوانين العمياء تتحكم فيه؟

هذا الظن المتهافت هو مفهوم سيد خان عن الكون والطبيعة، وبنظرة بسيطة يمكن لأي أحد أن يميز أن ثبات قوانين ونواميس الطبيعة، لا يعني أن هذه


(١) هم غلاة الباطنية والفلاسفة.
(٢) "فتاوى ابن تيمية" ٣/ ٧٥، ٥/ ١٩٦ و ٢٠/ ٢١٧، وقد نقلت بعض عباراته.