للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أجيال، فيهم البنت وأمها وجدّتها وأم جدّتها، إي والله، وما فيهم غريب؛ ما فيهم إلا بنت أو صهر أو حماة أو حفيد (١). وكنت أُعِدّ هذا الحديث في هذا الجو، فتصوروا كيف يمكن التفكير في هذه الحال.

هذا ما كان. أما ما هو كائن الآن فقد خلت الدور ورحل الحُجّاج وفرغ البيت، فصرت أركب المصعد وحدي وأمرّ إلى الدار فلا ألقى أحداً، وأدخل البيت فلا أحسّ إلا الفراغ والسكون. فماذا تظنون أني شعرت؟

شعرت بالراحة بعد التعب والهدوء بعد الضجة؟ لا والله؛ بل شعرت بالوَحشة والفراغ. وما منكم إلا من كان في داره أو في جواره حجّاج، ورحلوا فخلت منهم الدار ونأى المَزار، أفما شعرتم بمِثْل هذه الوحشة وهذا الفراغ؟

* * *

أما فكّرتم فرأيتم أن هذا هو مثال الدنيا؟ ناس يعيشون معاً، يأكلون ويشربون ويختصمون ويصطلحون، ثم يفترقون كأنهم ما التقَوا ويرحلون كأنهم ما أقاموا.


(١) سكن جدي رحمه الله في تلك الأيام في عمارة الكعكي في أَجْياد، غيرَ بعيد عن الحرم. وفي تلك السنة اجتمعت عنده بناته وأسرهنّ، جاؤوا للحج. وأذكر أنه كان في البيت نحن الحَفَدة وأمهاتنا، وكان فيه جدتنا وأمها رحمهما الله، فهذه هي الأجيال الأربعة التي أشار إليها (مجاهد).

<<  <   >  >>