لا يَحْزُنْكم أنّ أعداء الإسلام لا يزالون أشدَّ قوةً وأكثرَ عدداً وأجمعَ لوسائل النصر، فلقد قلت من قديم إنهم في مثل ضياء الأصيل، يملأ الدنيا ولكنه إلى الزوال، وما هو إلا أن يأتي الليل فيسدل على دنياهم ثوبه الأسود. ونحن في غَبَش الفجر، لا نزال نعالج بقايا الليل ولكنّ النهار أمامنا، ستطلع الشمس فتطرد فلول الظلام.
ألا ترون إلى صفوف المصلين كيف يقوم فيها الكبير والأمير إلى جنب الصعلوك والفقير، يضعون جميعاً جباههم على الأرض؟ إن المسلمين الأوّلين لمّا أهووا بجباههم إلى الأرض حيث تطأ النعال، خضوعاً لله وحده، جعل الله رؤوس الملوك تنحني خضوعاً لهم وتيجانَهم تتهاوى على نعالهم. فما في الدنيا جبين أعز من جبين المسلم ولا جبهة أكرم؛ إنها لا تذلّ إلا لله، لا تذلّ لأحد سواه، والذُّل لله عز. هذه الجباه التي جعل الإسلام أصحابَها سادة الدنيا وقادتها.