خطرت على بالي فكرة غريبة، هي أن أتصور في مكاني رجلاً لم يُنعم عليه الله فيُنسِله من أب مسلم وينشئه في أسرة مسلمة، وأن أتأمل وأفكر وأنظر: هل أستطيع بالحدس والعقل الاهتداء إلى الدين؟
وجربت الفكرة، فوجدت أني سأنظر إلى نفسي فأرى أني درت مع الأرض نحو ستين دورة، شهدت فيها تعاقب الصيف والشتاء وتتابع النعيم والشقاء، ورأيت فيها خيراً ورأيت شراً وذقت حلواً وذقت مراً. فما وجدت حلاوة تبقى ولا مرارة تدوم، ووجدت اللّذاذَات كلها محدودة، إذا بلغتَ غايتها ووصلت إلى حدها لم تعد اللذة لذة، ولكن صارت عادة فذهب طعمها وبطل سحرها، وصارت كالنكتة المحفوظة والحديث المعاد.
أي أنها كالسراب، تراه من بعيد ماء فإن جئته لم تجد إلا التراب. يبصر الفقير سيارة الغني تمرّ به وعمارة الغني يمر بها، فيحسب أنه يحوز الدنيا إن حاز مثلها، فإن صارت له لم يعد يشعر بالمتعة بها. ويسهر المحب يحلم بوصل الحبيب، يظن أن متع