الدنيا كله بحبه والأماني كلها في قربه، فإذا تزوج التي يحب ومر على الزواج سنتان اضمحلّت تلك الأماني وماتت تلك المُتَع، ولم يبقَ له منها إلا ذكراها. ويمرض المريض ويتألم، فيتصور اللذة كلها في ذهاب الألم والشفاء من المرض، فإذا عاودته الصحة ونسي أيام المرض لم يعد يرى في الصحة شيئاً من تلك اللذاذات. ويتمنى الشاب الشهرة ويفرح إن أذاعت الإذاعةُ اسمَه ونشرت الصحفُ رسمَه، فإذا هو اشتهر وصار اسمه ملء السمع وشخصه ملء البصر صارت الشهرة أمراً معتاداً.
فأيقنت أن اللذاذات المادية ضيقة المدى قريبة الحدود.
ووجدت أني سأرجع النظر إلى نفسي، فأراها تسمع الأغنية الحالمة في الليلة الساجية، قد خرجت من قلب مغن عاشق، فهزت منها حبة القلب وأطلت بها على عالم الروح. وتقرأ القصة العبقرية للأديب البارع، فتحس كأنه يمشي بها في مسارب عالم مسحور فيه مع السحر شعر وعطر، فإذا انتهت القصة رأت كأنها كانت في حلم لذيذ فتّان وصحت منه، فهي تحاول عَبَثاً أن تعود إلى لذته وفتونه.
وتعيش في لحظات التجلي، حين تصفو النفوس بالتأمل فتتخفف من أثقال المادة، فتعلو بجناحين من الصفاء والتجرد، حتى تصل إلى حيث ترى الأرض وما عليها أصغرَ من أن يُنظَر إليها لما تجد من لذة الروح التي لا تعدلها لذة الطعام للجائع، ولا لذة الوصال للمحروم، ولا لذائذ الجاه والمال للمغمور الفقير.
وإذا بالنفس تتشوق أبداً إلى هذا العالَم الروحي العلوي،