للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

العالم المجهول الذي لا تعرف منه إلا هذه اللمحات التي لا تكاد تبدو لها حتى تختفي، وهذه النفحات التي لا تهبّ حتى تسكن.

وإذا أنا حين رأيت ما رأيت من أن اللذات المادية محدودة، وأن اللذات الروحية أكبر منها كبراً وأعمق في النفس أثراً، قد أيقنت -بالحدس النفسي لا بالدليل العقلي- أن هذه الحياة المادية ليست كل شيء، وأن العالم المجهول المختبئ وراء عالم المادة حقيقة قائمة، تحن إليها الأرواح وتحاول أن تطير إليها، ولكن هذا الجسد الكثيف يحجبها عنها ويمسكها عن أن تنطلق وراءها.

وهذا اليقين أولُ الطريق إلى الدين.

* * *

وأستمرُّ في هذه التجربة الفكرية.

فأجد أني قد داخلت الرجال واستكشفت الطوايا واستطلعت الأفكار، أفكار الأحياء من الناس والأموات من المؤلفين، فوجدت أن الناس جميعاً، المؤمن منهم والكافر، والناشئ في صوامع العبادة والمتربي في مخادع الفسوق، إذا ألمّت بهم مُلِمّة ضاقوا بها ذرعاً ولم يجدوا لها دفعاً لم يعوذوا منها بشيء من هذه الكائنات، وإنما يعوذون بقوة وراء هذه الكائنات: قوة عظيمة لا يرونها ولكنهم يشعرون بوجودها بأرواحهم وقلوبهم وكل عصب من أعصابهم.

كلهم ينادي في هذه الحال: «يا رب» وإن لم يكن يدري ما الربّ!

<<  <   >  >>